دلشا يوسف :
يوثق التقرير العالمي الذي يصدر سنويا عن هيومن رايتس ووتش إنتهاكات حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم.
و تأتي الدولة التركية على رأس قائمة الدول التي سجلت زيادة في الإنتهاكات الإنسانية المنافية للأنظمة الديمقراطية و الإتفاقيات الدولية خلال الأعوام الأخيرة.
و يذكر في التقرير أن تركيا بدأت تفقد إعتباراتها كقوة ديمقراطية في المنطقة، نتيجة الممارسات اللإنسانية و الإنتهاكات الجائرة بحق الصحفيين و النشطاء الكرد و معارضي الحكومة.
و ينوه التقرير إلى حقيقة أن حكومة حزب العدالة و التنمية بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، و عقب حصولها على مجموع 50% من اصوات الناخبين في الإنتخابات التشريعية التي جرت بتاريخ 12 حزيران الماضي، مارست ضغوطات كبيرة على مسؤولي المعارضة، حيث فرضت عليهم أحكاما قاسية بتهمة إنتسابهم لتنظيمات إرهابية، و سجلت إنتهاكات فظيعة بحق حرية التنظيم و التظاهر و التعبير عن الرأي.
و كذلك يتطرق التقرير إلى زدياد حالات إستخدام العنف ضد المرأة في تركيا، و مع إزدياد واضح في إستخدام القوة المفرطة و القمع المتسلط من قبل قوى الأمن و قوى البوليس.
و رغم تعهد الدولة التركية بإجراء تعديلات على الدستور العام، بهدف تحسين أوضاع حقوق الإنسان، راحت تمعن في إستهداف كوادر و مسؤولي حزب السلام الديمقراطي الكردي، و كل من ينتقد ممارسات الحكومة، و إزدادت الممارسات القمعية و أصبحت أكثر شدةَ، بحيث تهدد بتدمير المرحلة بأكملها، و ذلك حسب ما ورد في التقرير نفسه.
ففي تركيا تعج السجون بآلاف النشطاء والسياسيين الكرد،كما تعج برؤوساء البلديات والحقوقيين والصحفيين و المدافعين عن حقوق الإنسان و الآكاديميين. و الكثير من هؤلاء يبقون رهن الإعتقال لفترات طويلة قيد التحقيق. حيث أنه خلال عام 2011 فقط، تم إعتقال (36) صحفيا كرديا بتهمة الإنتساب لتنظيم إرهابي، هذا بالإضافة غلى إزدياد عدد الضحايا من المدنيين، نتيجة الحرب القائمة بين قوى الأمن التركية و حزب العمال الكردستاني.
إذاً و كما يؤكد تقرير هيومن رايتس ووتش إن الحكومة التركية لا تنفك تتحول إلى نظام بوليسي قمعي، تكاد تخرج من مسارها الديمقراطي، لتسجل تراجعا في حقوق الإنسان إلى أدنى المستويات.
و في هذا السياق كتب (مراد يتكين) في صحيفة حرييت، معلقا على النظام البوليسي القمعي في تركيا، من خلال إجراء مقارنة موضوعية بين ما يجري في العراق وما يجري في تركيا، حيث يقول:
في الوقت الذي كان ينتظر فيه العراق تجاوز مرحلة النظام البوليسي و القمعي لحزب البعث، وقع في شباك نظام أمني بوليسي آخر بعد إنسحاب القوات الأمريكية، و ذلك حسب تقدير منظمة هيومن رايتس ووتش. و إعتمادا على الأسباب التي جعلت النظام العراقي الحالي نظاما أمنيا، بوليسيا ومتسلطا، بما يمارسه من قمع ضد المتظاهرين و حالات تعرض الصحفيين للتعجيز و الإنتهاكات الفظة، و تعذيب المعتقلين، نستطيع قراءة المشهد الموجود في تركيا أيضا.
ففي تركيا يطالب القضاء فرض أحكام بالسجن لمدة (11) عاما على طلاب رموا رئيس الجمهورية بالبيض خلال زيارته لجامعة إسطنبول، و يتجاوز عدد الطلاب المعتقلين في السجون التركية أكثر من (1000) طالب، بتهمة مشاركتهم في المظاهرات أو مطالبتهم بالتعليم المجاني، أو رفع لافتات. و يتم التحقيق مع الصحفيين و هم رهن الإعتقال، بتهمة إنتسابهم لمنظمة إرهابية.
يمكننا تسمية هذه الممارسات في أي دولة كانت ب (الدولة البوليسية).
و من جهته يشكك (فاروق أونسال) نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان في المجلس التركي بالنظام الأمني في تركيا، بقوله:
إن إقرار أحكام جائرة بالسجن لمدة تتراوح بين 20-30 عاما، على الآلاف من المتهمين بالإنتساب لمنظومة المجتمع الديمقراطي KCK
يرسم مشهداً فظيعاً في تركيا. و لكن هل ستتحمل تركيا هذا المشهد؟.
أنا لدي شكوك حيال ذلك. فالحكومة لا ترى ما يجري بوضوح، و لكن هذه السياسة البوليسية سوف تكلف تركيا و المجتمع التركي غالياً.