جوان سعدون : بداية العبث بالديمغرافية الكوردية في غرب كوردستان -الجزء الأول : الجزيرة الكوردية (السورية حالياً)

جوان سعدون  :

بعد فشل ثورة الإمارة المللية الكوردية بقيادة الأمير ابراهيم باشا المللي(1907م - 1908م) أثناء حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني والذي كان آنذاك تحت الإقامة القسرية بسبب آتاتورك صاحب الفكر القومي العلماني وضعف قوة الإمارة المللية في غرب كوردستان عمد آتاتورك إلى تغيير الديمغرافية الكوردية في أراضي الإمارة المللية الكوردية بعد أن فرض اللغة التركية على الدوائر الرسمية وأماكن التجارة الحكومية حيث قام بتوطين العرب البدو بأراضي الكورد بحجة عمليات إصلاحية وعمرانية وذلك لجعل اللغة التركية هي الوسيلة للتداول في التجارة لأنّها الرسمية وباسم السلطان عبد الحميد الثاني الذي لم تعد لديه سلطة على آتاتورك آنذاك, فبنى حينها 700 قرية من دير الزور إلى أراضي غرب كوردستان وتمّ بناء ثكنة عسكرية في موقع مدينة الحسكة حاليا ً عام (1907م) حيث وزّعت الدولة العثمانية أراضي الإمارة المللية على البدو العرب من عشيرة الجبور القادمين من دير الزور وأصلهم من شرق شبه الجزيرة العربية إلى شمال دير الزور والبقارة القادمين من شمالها وعشيرة طي القادمين من ديار بكر الكوردستانية وأصلهم من العراق بهدف تحويلهم إلى حضر وتوطينهم في البلاد الكوردية وقاموا بتشجيع البدو الرحل على الاستقرار في الأرض و إعمارها بألوف البيوت الطينية- الحجرية، وتقديم إعفاءات ضريبية سخية لهم.

والتوسع في شبكات الطرق والنقل بواسطة العربات ثم بواسطة السكك الحديدية مما أضعف وظيفة (الإبل) في نظام النقل التجاري، وأفقد العشائر الرحّل أحد أهم الأسس الاقتصادية التي تقوم عليها.

وجاء انخفاض كلفة النقل بواسطة العربات والخطوط الحديدية بالنسبة إلى النقل بواسطة القوافل ليضعف وظيفة الإبل.

وترافق ذلك مع مضاعفة الحكومة العثمانية بعد العام 1912م للضريبة على الإبل، بينما جبت أقل من نصفها على الغنم، مما شجع البدو" الأقحاح" على السير الوئيد في طريق نصف التحضر، والتحول من عشائر(جمّالة) إلى عشائر(غنّامة).

والواقع أن النقل بالعربات وانتشار الخطوط الحديدية أجهزا على تجارة النقل بالإبل، وساهم في هذا الإجهاز قيام الجيش العثماني بمصادرة الإبل لصالح عملياته العسكرية .

حيثٌ بنيت هذه التجمعات الحضرية الكبيرة نسبياً في المواقع التاريخية الأثرية وهي نفسها مدينة الحسكة حاليا ً.

وبعد عام أتى مجموعة من قلعة مراوية وهم قوم من السريان الأرثوذكس يتكلمون العربية وينتمون إلى قرية (قلعة مراوية),و تقع إلى الشمال الشرقي من ماردين.

وكانوا حوالي سبعة بيوت في الجانب الغربي من مركز الجيش التركي(البغالة), وازدادوا بعد فرمان السيفو (1915 م- 1923م).

كما كانوا يأخذون بضائعهم إلى القبائل المنتشرة في محيطهم وكانت تلك القبائل تعيش بالقرب من موقع المدينة. وكبرت مدينة الحسكة بتزايد القادمين إليها أيام السفر برلك.

استولت عليها لاحقاً قوات الاحتلال الفرنسي أثناء فترة الانتداب على سوريا في بداية العشرينيات من القرن العشرين ثم ازدادت المباني والبيوت من حولها.

وفي عام 1933م تمّ استقبال المهاجرين الآشوريين الذين كانوا في العراق منذ عام 1926م و قدموا إليه من جنوب الاناضول الذي غادروه مع بداية تكوّن الجمهورية التركية و بقوا من عام 1926م في العراق حتى هجرتهم إلى غرب كوردستان ودولة دمشق السورية عام 1933م.

حيث تسارع انتقال العشائر العربية إلى نصيبين التي انفصلت عن دولة حلب حينها بعد معاهدة لوزان 1923 م وأصبحت نصيبين مقسمة إلى قسم شمالي وقسم جنوبي تمّ بناءه وقت الانتداب الفرنسي وسُمي بقامشلو نسبة ً إلى مكان القصب باللغة الكوردية حيث توافد إلى قامشلو الكثير من العوائل السريانية من نصيبين وماردين وسكنوا مع الكورد الحضر في المنطقة حيث تسارعت

وتيرة سير (عشيرة طيّ) في عملية التحضر،كما هو الحال مع إخوتهم من عشائر الجبور والبقارة في الحسكة .

وهذه الصور هي التي التقطها الطيار أنطوان بواديبارد (1878م-1955م) ،هو مبشر فرنسي وطيار وعالم آثار جوي ,وقد مكنّه الطيران من إجراء مسح لمساحات شاسعة من غرب كوردستان والبادية السورية ولبقع لطالما بقيت غير مرئية ،أو لا يمكن الوصول إليها من الأرض.

ورغم ممارسة هذه السياسة القاسية بحق الكورد حافظت المنطقة على الغالبية الكوردية وحافظ الكورد فيها على لغتهم وحضارتهم والتي تمتدّ منذ آلاف السنين في تلك المنطقة تحديدا ً

كل المراجع التاريخية وأبحاث علماء الآثار الأوربيين وغيرهم لهذه المنطقة تثبت على كورديّتها، ولا زالت الحفريات تخرج لنا العملة المسكوكة للدولة الدوستكية والميديّة والميتانيّة والحورية وتاريخ الإمارات الإسلامية الكوردية ولا سيما الإمارة المللية والتي تم حرق الكثير من وثائقها التي هي عبارة عن معاهدات واتفاقيات وملكيّات الأراضي الموقع عليها من قبل سلاطين الدولة العثمانية و السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الذي طُرِدَ من قبل آتاتورك لكن لا تزال معاهدات العشائر العربية وتواقيعهم موجودة في الأرشيف الفرنسي الذي تعهّدوا فيه عن عدم الاعتداء على حدود الإمارة المللية الممتدة غربا ً حتى نهر البليخ في الرقة .

إنّ الجزيرة الكوردية (الجزيرة السورية حاليا ً) قد تعرّضت لشتى وسائل الفتن وبثّ النزاعات بين مكوّناتها التي انضمت مؤخرا ً لسكانها الكورد منذ سقوط الإمارة المللية ومن هنا بدأت معاناة الشعب الكوردي في غرب كوردستان حيثُ استغلّ بعض قبائل البدو في منتصف الأربعينات دخول الجراد على الأراضي الزراعية الكوردية وهكذا هاجمت عشيرة الجبور منطقة عامودا من الجنوب و الشرق (قطاع عشيرة ميرسني الكردية), في حين هاجمت عشيرة البكارة منطقة الدرباسية من الجنوب و الغرب (قطاع عشيرة الكيكان), و جرت معارك طويلة وقاسية ذهب ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى و المشوهين.

أثبت الكورد خلال هذه المعارك مدى تمسكهم الشديد بأرضهم, فصمدوا ضد غزو البدو, رغم الدعم الحكومي غير المعلن له, و كانت خسائر البدو المهاجمين تفوق خسائر الأكراد المدافعين عن عائلاتهم و ممتلاكتهم.

وفي عام 1965م تم تقرير مشروع من الحكومة السورية تحت اسم الحزام العربي يهدف إلى تفريغ منطقة الجزيرة أو محافظة الحسكة من السكان الأكراد الأصليين وتوطين أسر عربية بدلاً عنهم.

وامتد الحزام بطول 300 كيلو متر وعرض 10-15 كيلو متر، من الحدود العراقية في الشرق إلى سرى كانية (رأس العين) في الغرب.

واغتنمت السلطات فرصة بناء سد الفرات ومشروع إعادة توزيع الأراضي الزراعية كي تستولي على أراضي الفلاحين الكورد وبالفعل تمّ ذلك وقد اقتحمت القوات البعثية الأراضي الكوردية وجاء بعشائر الغمّر إلى المناطق الكوردية وقاموا بتوزيعها على الغمر بعد تهجير أهلها منها واعتقلوا الكثيرين من النشطاء الكورد ورافق ذلك تعريب أسماء المدن والبلدات الكوردية وإلى يومنا هذا ملامح الحزام العربي واضح من خلال السياسة الممنهجة التي أدّت إلى طمس الهوية الكوردية في المنطقة حيث حرّموا من اللغة الكوردية وممارسة فلكلورهم وفنهم الموسيقي والغنائي أيضا ًوأدى ذلك إلى تعصب الفرد الكوردي حول قوميّته وزادت من غيرته على كورديّته وتقاليدها .

================== بقلم : جوان سعدون - عضو المجلس الوطني الكوردي في سوريا - ممثلية تركيا

=====تمّ استخدام المراجع التالية ===========

أنيس مديواية، القامشلي 1925 – 1958م

محمد جمال من كتاب مراحل تاريخ إعمار الجزيرة السورية

جرير مروان مراد في بحوث تفصيلة بسلسلة الحسكة عبر التاريخ

أورهان محمد علي من كتاب عبد الحميد الثاني : حياته وأحداث عهده

أرشيف الصور الضوئية في جامعة القديس يوسف بيروت

الأكراد والحكومات العربية في سورية من شكري القوتلي الى جمال عبد الناصر..دراسة تاريخية للكاتب/ خالد عيسى/باخرة الكرد

الحزام العربي في ذكراه الثلاثين. الحوار المتمدن، 06/04/2011 م

=============================

صفحة أنا من ذوي الأصول الكوردية







أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر