كاردوخ ميردرويش : حق تقرير مصير الكورد في معاهدة سيفر وتقسيم كوردستان في لوزان

 
كاردوخ ميردرويش :

بعد انتصار العثمانيون على الصفويين بفضل الكورد في معركة "جالديران " عام 1514م , فرض العثمانيون سيطرتهم على قسم كبير من كوردستان كالموصل و(امد)ديار بكر وماردين وأورفة وحسن كيف و غيرها من المناطق الكوردية, عندها اصبحت كوردستان تشكل نقطة تحول بالنسبة لمستقبل القوى المتصارعة في المنطقة .

واصبحت كوردستان ضحية اطماع الأتراك عندما بدأوا بتوسيع رقعة دولتهم على حساب أراضي الشعوب الإسلامية المجاورة ,أسوة بأراضي البلقان وغيرها.
لقد تنازل الفرس للعثمانيين عن قسم كبير من كوردستان في معاهدة (زهاو ) عام 1639 م, بين الشاه عباس والسلطان مراد الرابع، لتنظيم حدود وشؤون البلدين. وفي عام 1746 م عقدت معاهدة " كرون " بين الدولة العثمانية والفارسية تاكيدا على معاهدة زهاو في تثبيت الحدود , والتي اعتبرت نافذة وملزمة للطرفين , ثم جاءت معاهدة "أرزروم الأولى " بينهما عام 1823م, حول وضع كوردستان وكرست هذه الاتفاقيات المشؤومة سيطرة العثمانيين على قسم كبير من جغرافية كوردستان وشعبها.
استمرت هذه الاوضاع حتى دخلت الإمبراطورية العثمانية المريضة الحرب العالمية الأولى الى جانب المانيا عام 1914-1918م ، وخسرت الحرب.
قامت كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية بتوقيع اتفاقية سرية كانت الاخطر من نوعها على كوردستان والشعب الكوردي, سميت باسم اتفاقية (سايكس بيكو) في 16 ايار عام 1916م. تضمنت الاتفاقية تقسيم ممتلكات الامبراطورية العثمانية فيما بينهم بما فيها كوردستان, اللتي كانت تحت سيطرة العثمانيين .
انسحبت روسيا بعد ثورة أكتوبرالاشتراكية بزعامة لينين عام 1917م, وبذلك انفرد الاستعمار البريطاني والفرنسي في حكم المنطقة, فأصبحت القضية الكوردية أكثر تعقيدا,لان جنوب كوردستان اصبحت ضمن خارطة العراق , و اصبحت غرب كوردستان ضمن خارطة سوريا، و شمال كوردستان ضمن خارطة تركيا. بينما بقيت شرق كوردستان على حالها ضمن خارطة إيران, لأن اتفاقية سايكس بيكو لم تشمل إيران. وقد كرست الدول الاستعمارية هذا التقسيم لكوردستان ودول الشرق الأوسط في مؤتمر سان ريمو عام 1920م. ثم تشكلت الدول القومية التي ضمت أجزاء من كوردستان وهي فيما تسمى اليوم بتركيا والعراق وسوريا وإيران بعد الحرب العالمية الاولى.

فرضت القضية الكوردية نفسها مرة اخرى على الساحة الدولية بعد التضحيات العظيمة, اللتي قدمها الشعب الكوردي في سبيل نيل حريته من الاحتلال,واحتلت حيزا مهما في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى حيث تم استعداء الوفد الكوردي برئاسة الجنرال إحسان نوري باشا إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 م , للمشاركة حول تحديد مصير كوردستان بعد سقوط الدولة العثمانية .
نجح شريف باشا في إدخال ثلاثة بنود تتعلق بالقضية الكوردية في معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء في باريس في أغسطس 1920م، ساهمت في تكريس عملية تدويل القضية الكوردية بصورة رسمية، رغم أن الدولة العثمانية حاولت مراراً أن تصف القضية الكوردية بأنها قضية داخلية تستطيع الدولة حلها داخليا وادعت بان الكورد والاتراك اخوة!!
تم الاقرار بحقوق الشعب الكوردي في معاهدة سيفر عام 1920 م . حسب البنود 62 , 63 , 64 , من هذه المعاهدة بين تركيا ودول الحلفاء
حيث نصت المعاهدة على إقامة كيان قومي كوردي .
وكانت هذه المعاهدة أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه، و طرحت القضية الكوردية في القوانين والمعاهدات الدولية.
وتعد معاهدة سيفر وثيقة مهمة و فريدة في تاريخ القضية الكوردية، حيث نصت على حل المشكلة الكوردية على مراحل، وإذا اجتاز الكورد هذه المراحل، وطالبوا بالاستقلال، ورأت دول الحلفاء أهلية الكورد, عندها يصبح الاستقلال أمرا واقعياً، وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك,ولكن بعد سيطرة قوات كمال أتاتورك على الأراضي التركية، عمل جاهدا لإبطال تنفيذ بنود معاهدة سيفر ,التي أقرت بالحقوق القومية للشعب الكوردي.
وقد وصف كمال أتاتورك معاهدة سيفر بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق هذه المعاهدة ,لذلك بقيت المعاهدة حبراً على ورق....

استغل كمال اتاتورك ظروف الصراع الدولي لإلغاء معاهدة سيفر ووادها
حيث شارك الاتراك في مؤتمر لوزان بسويسرا عام 1923م, وبمساعدة مهندس معاهدة لوزان المشؤمة المرتزق عصمت اينونو الخائن الكوردي الاصل و الذراع الايمن لكمال اتاتورك, الذي يذكرنا ببعض السياسيين الممسوخين من المرتزقة الكورد في مجلس المعارضة السورية الاردوغانية اليوم, ونجح الوفد التركي في إقناع ممثلي دول الحلفاء بالتوقيع على معاهدة لوزان عام 1923م, فأُلغيت اتفاقية سيفر، وبذلك تم احتلال شمال كوردستان بالكامل من قبل تركيا.
وضربت معاهدة سيفر عرض الحائط واستبدلت باتفاقية لوزان المشؤومة التي تجاهلت حقوق الشعب الكوردي المشروعة .
استطاع اتاتورك ان يغير موقف بريطانيا من القضية الكوردية واقناعهم بأن قيام دولة كوردية سيؤدي الى الإخلال بتوازن القوى في الشرق الأوسط لصالح الدولة السوفيتية ,وقدم تركيا كحليف دائم لبريطانيا في مواجهة الثورة البلشفية في روسيا.
ولعب اتاتورك دورا ذكيا وخبيثا حيث كان في البداية يتحدث باسم الحركتين التركية والكوردية, وكان يؤكد في جميع خطاباته أن دولة تركيا الجديدة هي دولة الكورد والأتراك معا, وجعل من نفسه وصيا عليهم, ولكن عندما بدأت كفة الميزان تتأرجح لصالح القومية التركية ,وتغيرت الأوضاع لصالحها ,وبعد أن حصل على الدعم والتأييد البريطاني , أخذ يقود الحركة القومية التركية وبدأ بتصفية الحركة القومية الكوردية .
ففي 31 أيار 1925 م,قام اتاتورك بتوجيه نداء إلى السكان مشيرا فيه بأن الحكومة بدأت بتسريح الجيش المرسل للقضاء على الانتفاضة الكوردية بقيادة شيخ سعيد بيران, أما محاكم الاستقلال ستواصل نشاطها , وأشار في الختام الى أن القمع المتواصل بعد الانتفاضة يجب أن يذكر بالعقاب الصارم الذي ينتظر كل من يفكر بالإطاحة بالجمهورية و "عرقلة التقدم الوطني " !!.
وفي 29 أيار 1925 م حكمت مايسمى " بمحكمة الاستقلال " في ديار بكر على الشيخ سعيد بيران و ( 47 ) من رفاقه الكورد المشاركين في الانتفاضة الكوردية, بالإعدام شنقا حتى الموت, ونفذ الحكم في اليوم التالي امام باب الجبل في مدينة (امد)دياربكر.
وأمام حبل المشنقة , قال الشيخ سعيد : " أن الحياة الطبيعية تقترب من نهايتها , ولم أندم قط عندما أضحي بنفسي في سبيل شعبي , إننا مسرورون لأن أحفادنا سوف لن يخجلوا أمام الأعداء " .

وتلت ذلك إعدام مئات المناضلين الكورد بقرارات من محاكم صورية في الولايات الكوردية المختلفة.
تم اقتطاع اراضي الجزيرة الكوردية من ولاية الموصل الممتدة بين نهري دجلة والفرات و من ولاية دياربكر و من ولاية حلب والحاقها بالدولة السورية اللتي شكلت حديثا بعد عام 1923م,وبقي النزاع الحدودي بين تركيا والعراق، فقد نصت المادة الثالثة من معاهدة لوزان بهذا الصدد على مايلي: "ستتم تسوية الحدود الفاصلة بين تركيا والعراق بطريقة دولية بين الحكومتين البريطانية والتركية في غضون تسعة أشهر. وإن لم تتوصل الحكومتان إلى إتفاق خلال المدة المعينة، تُحال القضية إلى مجلس عصبة الأمم.
في الحقيقة لم يكن هذا النزاع مجرد نزاع عادي على الحدود, إنما كان نزاعا على ولاية الموصل كلها أي على جنوب كوردستان ، بسبب النفط، وأصبح مصير الكورد في جنوب كوردستان ايضا مرتبطا بهذا النزاع.
لقد نصت معاهدة لوزان على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد فيها أية إشارة الى الشعب الكوردي ، كما لم يتم الإشارة إلى معاهدة سيفر, فكانت معاهدة لوزان ضربة قاسية ضد مستقبل الشعب الكوردي في نيل حريته المشروعة,و يتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكوردي,ليس هذا فحسب بل قامت الحكومة البريطانية فيما بعد بضم ولاية الموصل التي كان الكورد يشكلون فيها الأغلبية الساحقة, حيث تم تقسيم جغرافية كوردستان عمليا وقانونيا بين أربع دول بدلا من دولتين، لتزداد معانات الشعب الكوردي بين انياب وظلم هذه الدول التي شكلت حديثا وتركهم بدون اي حل انساني لقضيتهم العادلة,ولكن بقيت معاهدة سيفر وقوداً لنضال الحركة القومية الكوردية حتى اليوم, وبحاجة الى بعثها واحيائها من جديد, كي يحصل الشعب الكوردي على حقه في تقرير مصيره مثل باقي شعوب الارض بعد كل هذه العذابات اللتي حلت به.

كاردوخ ميردرويش
9.7.2012
تم النشر في 20و39 09|07|2012


أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر