أحمـــــــد قاســــــــــم : حافظ ، مصطفى ، عبدالحليم


أحمــــد قاســــــــم  :
      
 الثلاثي الذين ارسوا قاعدة الإستبداد في سوريا: حافظ الأسد رئيساً، مصطفى طلاس وزيراً للدفاع، عبدالحليم خدام مسنداً اليه الدبلوماسية الدولية. ثلاثة هؤلاء كانوا في خدمة ارساء قواعد الإستبداد في

  اوسع وأدق معانيها. إطلاق شعارات قومية لدغدغة مشاعر الناس ، إعلان الحرب الدائمة مع اسرائيل بعد تشرين 1973، وجعل التوازن الإستراتيجي بالمفهوم الفلسفي هدفاً اساسياً لتأجيل أية مصادمة مع اسرائيل، وعدم قيام حروب أخرى وفقاً لمبررات على أن التضامن العربي هو مقدمة منطقية لتحرير فلسطين وردع اسرائيل أو محوها عن الوجود. وفي ذلك كان الأسد ذكياً في صياغة خطاباته المؤدلجة الى أن وصل به الحال أن يعتبر هو الحزب وهو الفكر وهو يحيي ويميت. عندما أطلق مصطفى طلاس شعاراً وسط الجيش السوري بعد أحداث جماعة إخوان المسلمين وقمعهم بيد من حديد عام 1982 ، هذا الشعار الزم الجيش السوري ترديده عند كل إجتماع ( قائدنا إلى ألأبد- الامين حافظ الأسد ).
 هؤلاء من أسسوا جمهورية الخوف بعد أحداث حركة الإخوان المسلمين المفتعلة. زرعوا في الأرض وأمام كل بيت عنصراً للأمن، بحيث بلغ عناصر الأمن المكشوف والمخفي ضعفي الجيش السوري. وكانت ميزانية سوريا مفتوحة للعمليات الخاصة لقمع اي تجمع قد يعارض يوماً نظام القائد الأوحد، وكذلك لعمليات إغتيالات شخصيات معارضة في داخل وخارج سوريا، حتى أصبحت السفارات فروعاً للأمن الخارجي ومكتب معلومات عن السوريين المقيمون في الخارج. انتهج هافظ السد وبمساعدة جناحيه العسكري والدبلوماسي سياسة الفساد الممنهج. دفع الوزارات ومديروها نحو الفساد المبرمج والإفساد لتشكيل ملفات لهم ومحاسبتهم متى ما شاء، حتى أوصل ذلك الى قلب عائلة مساعديه، وأول محاسبة قام به كان مع أخيه رفعت الأسد عندما نفاه الى الخارج لاسكات الشعب على المجازر التي ارتكبت في حماة وتعميق الكاريزما عند الجيش والأمن والبعثيين بجميع منظماته المختلفة، إلى أن دفع الخوف بالانسان السوري الى انفصام شخصي يحب من لا يستطيع أن يحبه. وهكذا بني جمهورية الخوف لبنة لبنة ولحظة بلحظة من دون انقطاع إلى أن وافته المنية لهذا الحافظ الذي حافظ على كاريزميته من خلال استعمال الحديد والنار وقمع الإنسان في داخله.
 سقط القائد بوفاته، وبقي من كانا يساعده في تمتين نظامه الإستبدادي، وجاء إبن القائد ليكون وريثاً لقيادة أبيه. جاء بشار ليقود مصطفى طلاس وعبدالحليم خدام. كان من رأي عبد الحليم خدام أن يكون هو رئيسا بعد حافظ، وإن لم يكن فالأولى لمصطفى طلاس الذي قضى عمره في خدمة حافظ الأسد بأمان ووفاء، حتى أنه بقي أميناً له بعد وفاته، وتقدم الى ابنه بشار ليستمر في وفائه للعائلة. إلا أن يبدو أن تغير الأجيال يتغير معه حركة التاريخ، حيث أنشق عبدالحليم خدام عن مصطفى طلاس ولعن بشار الأسد بألف لعنة، لكنه أخفق في محاولاته الجادة أن يؤثر على قيادة بشارالأسد مرحلة من بعد ابيه، كونه كان مستهلكاً بين الجماهير والجيش والأمن،وبقي مصطفى طلاس بذكائه أن يستقيل هو الآخر وتسليم الأمانة إلى بشار الأسد ليؤكد حرصه على أمن عائلة الأسد ودعمه له بعد أن رأى وجوده لامعنى له. كان جمال عبد الحليم خدام منغمسا في الفساد، حيث نصب اليه دفن نفايات نووية في صحراء تدمر مقابل الملايين من الدولارات، وكذلك عملية صفقات مالية لخدمة شركات كبرى من استحواذها وفوزها لأعمال استثمارية كبيرة في البلاد، ناهيك عن أعمال تجارية غير مشروعة من غسل الأموال إلى ما هنالك من أعمال لجلب أموال غير شريفة وهو لايشكل اصلاً غير السماكة في مفهوم الفساد الذي ارسي قواعده عمه حافظ الأسد من دون أن يستلم أي منصب إعتباري في مرتكزات النظام.
  بقي أبن مصطفى طلاس ضابطاً في الجيش السوري للسير على خطى ابيه، على ان يكون وفياً لبشار كما كان ابوه وفياً لحافظ. مناف مصطفى طلاس عميد في الجيش السوري وقائد إحدى وحدات الحرس الجمهوري، ويمتلك قدرات وخبرات هائلة من خلال عمله في السلك العسكري والذي كان قريباً من بشار وعائلته. مناف مصطفى طلاس ومنذ اندلاع الثورة حاول جاهداً أن لايقع في افخاخ بشار الأسد وأن لا يتلطخ أياديه بدماء أخوته من أبناء الشعب السوري، اضطر مؤخراً الإنشقاق عن بشار متأكداً أن الأيام والأسابيع والأشهر القادمة سوف تكون اكثر دموية، فاختار أن يكون مع الضحية في وجه جلاد مجرم. الولد سر أبيه. مصطفى طلاس حاول جاهداً ان يحافظ على كرامته من دون أن يتهم بجرائم وفساد من النوع الثقيل. زوجته من آل جابري من حلب كردية الأصول، هذه العائلة الكردية الحلبية ضرب مثل عند السوريين في وطنيتهم الأصيلة منذ احتلال فرنسا لسوريا، وكان سعدالله الجابري من ابرز قواد الثورة ومفكريه، وكحل عينيه باستقلال سورية وحرية شعبها، إلا أن البعثيين حاولوا تهميش هذه العائلة بشكل ممنهج كونها كانت عائلة إقطاعية. لكن يبدو أن مناف أخذ من دم آل جابري ما يكفيه أن يكون مخلصا لشعب سوريا، وأن يضع نفسه في خدمة ثورة الحرية والكرامة من خلال رفضه لما يقوم إبن صديق والده من ارتكاب جرائم ومجازر بحق شعبه من أجل بقائه على سدة الحكم، وخاصة مما جرى في حمص ورستن. إن ما ارسى الأصدقاء الثلاث: حافظ الأسد ومصطفى طلاس وعبد الحليم خدام تنهار الآن بانشقاق الأبناء لينال شعب سوريا حريته وكرامته من خلال ثورته المباركة.
       
أحمـــــــد قاســــــــــم
 الكاتب والسياسي الكردي السوري     7\7\2012

تم النشر في 12,33 07|07|2012



أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر