أحمــــد قاســــم :
من دون أدنى شك، أن الثورة السورية تحتاج الى من يمثلها من معارضة سياسية فاعلة تتحمل مسؤولية التمثيل السياسي والدبلوماسي في الوسط الأقليمي والدولي. وإن ما نراه الآن من أطر
بعد اربعة عشر شهراً والمعارضات تتخبط في دائرة لا تعرف الخروج منها لتوحد طاقاتها وتتبنى برنامجاً سياسياً واضحاً تتوافق عليها كافة مكونات الشعب السوري، وبالتالي لتشارك هذه المكونات كافة أشكال الحراك الثوري من أجل اسقاط الإستبداد والديكتاتورية والظلم والقهرالمتوارث، ومن ثم بناء البديل التعددي الديموقراطي المدني اللامركزي، ترى كل المكونات فيه نفسها ومصلحتها ومستقبلها المزدهر مع هذا البديل المأمول. ويبدو أن قوة أجندات للدول الأقليمية والدولية من جهة، وفاعلية أجندات النظام داخل هذه المعارضات من جهة أخرى تعيق اي عمل توافقي بين أجندات مكونات الشعب السوري التي تبدو موزايكية معقدة في تفاصيلها، لتختلف فيما بينها وفقاً لكثرة تلويناتها. وكأن القدر حتم عليها أن تختلف عن الحاجة الى وحدتها، لتترك الشعب فريسة بين مخالب المتوحش الذي ينتهج القتل ويبرمج العنف في أقسى درجاته بغية القضاء على الثورة التي باتت من المستحيل أن تستسلم أو ترجع الى الوراء خطوة واحدة. مما أدى ذلك الى ارتكاب النظام جرائم بشعة ترتقي الى جرائم إبادة جماعية وآخرها وليس بالأخير، جريمة الحولى في حمص عند ارتكاب مجزرة بحق أطفال لا تتجوز أعمارهم في حده الأعلى عشرة سنوات ومن بينهم الرضع، حيث يزداد عددهم عن خمسة وخمسين طفلاً وكذلك بقدرهم من النساء والشيوخ مع تدمير منازل فوق رؤوس اصحابها لتهجيرهم الى المجهول...إنها كارثة إنسانية تحت مرئى ومسمع مراقبين دوليين من دون أن يتحرك الضمير البشري.
من المؤكد أن النظام لن يتراجع عن استعمال العنف ضد المتظاهرين مهما اشتدت عود الثورة، ولسوف تبقى القوة على الارض لصالح النظام لأنه يمتلك كل قدرات البلاد ويستعملها ضد الثورة بدون هوادة. أما الثورة فهي لا تمتلك إللا ارادة الإنتصار لتدفع يومياً العشرات من ارواح ابنائها البررة شهداءً لهذا الشعب ووطنهم سوريا. أما المعارضات التي تبنت الثورة، فهمها الوحيد تبحث عن أمكنة أوسوق أو بازار لتعرض نفسها وبأبخص الأسعار. إلا ان المجتمع الدولي يدرك أن مثل هذه المعارضات تبدو أنها لا ترتقي الى مستوى التمثيل الحقيقي للثورة. وبالتالي لا تستطيع أن تمتلك قرار التفاوض عوضاً عن الثوار داخل البلاد. وهذا ما يؤدي إلى تأخر المجتمع الدولي لإتخاذ اي قرار تؤدي إلى إسقاط النظام في الوقت الذي يكون فيه البديل مبهما وليس واضحاً، مما يخوف المجتمع الدولي بما فيه غالبية مكونات الشعب السوري من مستقبل سوريا.
من هنا تأتي أهمية المشروع السياسي الواضح والمتفق عليه من قبل كافة مكونات الشعب السوري وفي مقدمتهم المكون الكوردي الذي يشكل الثقل النوعي في التوازنات بين كافة المكونات. وأن تشرزم المعارضات وتشتتها فيما بينها وفقدانها لمشروع كهذا، تفتقد الثقة بينها وبين الثورة من جهة، وكذلك بينها وبين المجتمع الدولي في ذات الوقت. والمطلوب من المعارضات كافة أن ترتقي الى مستوى مسؤولياتها التاريخية، وإللا لسوف تتحاسب على أفعالها بعد سقوط النظام، ولسوف تتحمل مسؤولية تمديد عمر النظام، وبالتالي تدفع بالبلاد الى تهلكة غير معلومة جراء فقدانها القوة المطلوبة للتحرك الدبلوماسي والسياسي.
أعتقد أن النظام يذهب باتجاه ارتكاب المزيد من المجازر والجرائم، فهماً منه على أنه سيدفع بالمعارضة الى قبول الحوار في آخر المطاف عند استمرارية العجز الدولي ولسوف ينقض على الثورة سياسياً ودبلوماسيا من خلال عقد صفقة دولية مع الدول ذات الشأن وإقناع المعارضات بشيء ما يشبه الأمر الواقع.لكن من حسن حظ شعبنا أن المعارضات لا تمتلك الجرأة لأن تتقدم ولو خطوة بذلك الإتجاه، يقيناً منها أن الثورة لا تخضع لقرارات هذه المعارضات في أواخر المحطات. وأن أي حوار لم يكتب له النجاح إن لم يكن مع قيادة الثورة بشكل مباشر، حيث أن الثورة ستنتج لنفسها قيادة سياسية ترتقي الى مستوى التمثيل الشرعي للثورة بعد فشل كل هذه المعارضات من تحمل مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية.
أحمـــــــــد قاســــــــــم
الكاتب والسياسي الكردي السوري 27\5\2012
الكاتب والسياسي الكردي السوري 27\5\2012
تم النشر في 21,33 27|05|2012