كاردوخ ميردرويش : لمحة عن المسيحيين في كوردستان سوريا


كاردوخ ميردرويش : 

لقد كان من بين الوافدين المسيحيين إلى الجزيرة الكوردية أعداد كبيرة من المسيحيين من غير الطائفة الكاثوليكية، و قبل عام 1933 كان القسم الاكبر من المسيحيين قادمين من المناطق 
 الكوردية,وبالتحديد من كوردستان توركيا،و كان أغلبهم يتكلمون لغة الام اللغة الكردية، و ينتمون الى الشعب الكوردي قوميا، وعشائريا كانو ينتمون إلى عشيرة هفيركا الكوردية الكبيرة اللتي كان يتزعمها حاجو اغا. اما الآشوريين القادمين من العراق فلقد اتو الى كوردستان سوريا كلاجئين واستقبلهم الفرنسيين, و تم توطينهم على ضفاف الخابور. نظراً للوضع الاستراتيجي للجزيرة، و لمقاومة الأطماع العراقية و التركية، كانت السلطات الفرنسية تحتفظ لنفسها بالسلطة العسكرية عبر جهاز المخابرات العامة (العسكرية)، بينما كانت تُدار الهيئات الإدارية العامة في البدء من قبل موظفي دولة حلب،و من قبل موظفي سورية فيما بعد.
لقد كان اغلبية وجهاء المسيحيين في الجزيرة الكوردية يعترفون بانتمائهم إلى القومية الكوردية أثناء الانتداب الفرنسي، و كان يساهم أغلبهم منذ الثلاثينات من القرن الماضي في النشاط السياسي من أجل نيل الحكم الذاتي للجزيرة أسوة ببقية المناطق الخاضعة للانتداب الفرنسي.
ولكن بعد تخلي السلطات الفرنسية للاتراك عن القسم الجنوبي لشمال كوردستان، تخلت نهائياً عن مساندة مشروع عام 1920 المتضمن إنشاء دولة كوردية تضم الجزيرة العليا و كيليكية، وتم الشروع في تنفيذ مشروع إقامة كيان سياسي مسيحي في الجزيرة, و كان من المخطط أن يتم فيها توطين المسيحيين من الطائفة الكاثوليكية الذين تلقوا تعليمهم على يد المبشرين الفرنسيين.
بعد الاتفاقية الفرنسية- التركية الموقعة في 20/10/1921، دخل إقليم غرب كوردستان إلى حدود دولة حلب، ولم تتم السيطرة الفعلية على المنطقة الكوردية الواقعة بين نهري (دجلة والفرات) إلا بعد اتفاقية الصداقة و حسن الجوار الموقعة بين الفرنسيين و الأتراك في عام 1926، و أصبحت هذه المناطق داخل حدود دولة سورية التي تشكلت عقب توحيد دولتي دمشق و حلب، بينما دخلت المنطقة الكوردية الواقعة بين نهر (جق جق) و نهر (دجلة) داخل حدود الدولة السورية بعد الاتفاقية الموقعة في عام 1929، و استمرت لجان الحدود أعمالها إلى ما بعد هذا التاريخ لسنوات عديدة.
لقد كانت نتيجة الصراع بين الفرنسيين والانكليز على المنطقة انه سيطرت السلطات الفرنسية على حوض الفرات في عام 1921، بقوات كوردية (مللية) بقيادة ابراهيم باشا المللي، و عربية (العنزة التابعين للشيخ مجحم بن مهيد)، و السرية الآشورية المشكّلة في حلب بناءاً على أمر من الجنرال غورو.ولكن السرية الآشورية اثبتت عدم فعاليتها في العمليات العسكرية التي قادتها القوات المشتركة ضد فلول القوات العثمانية، و العشائر العربية ( و خاصة العكيدات) التي كانت تريد ضم البوكمال و ميادين و دير الزور إلى العراق بدعم من الهاشميين و الانكليز.
و لم ينجح المشروع الفرنسي في توطين الاشوريين المسيحيين في الجزيرة لان الجزيرة الكوردية كانت باكملها عامرة بالقرى الكوردية,
وبسبب ضعف السرية الاشورية اللتي شكلها الجنرال *غورو* لدعمه, وتم تعليق تنفيذ مشروع إنشاء كيان مسيحي في الجزيرة الكوردية.
وفي عام 1929 عقد الفرنسيين والاتراك اتفاقية مشؤومة ضمّ بموجبها منطقة شرق نهر (جق جق) الكوردية إلى الدولة السورية التي لم تكن تضم لا جبل الدروز, و لا جبل العلويين،و تم تكييف المشروع بما يتناسب مع الانتماءات القومية و الدينية و المذهبية للوافدين إلى الجزيرة من ناحية، و مع موازين القوى بين عشائر الجزيرة و طبيعة صراعاتها و تحالفاتها الداخلية و مواقفها من السلطات الفرنسية,و من القادمين من ناحية اخرى.
لقد دعم الانكليز والاتراك النخب العروبية و الاسلاموية من الطائفة السنية،للسيطرة على جميع الأقاليم الخاضعة للانتداب الفرنسي. بينما كانت أغلبية سكان جبل الدروز و جبل العلويين و المناطق الكوردية من يطالبون بالإدارة اللامركزية للمناطق الخاضعة للانتداب الفرنسي. و كانت أغلبية الأقليات الدينية تخشى على حقوقها وحرياتها و تطالب السلطات الفرنسية بضمانات دستورية, و حتى السلطات الفرنسية كانت ترى في اللامركزية الشكل الأفضل لإدارة المناطق الخاضعة لنفوذها لضمان عدم تعرض الكورد و المسيحيين للاضطهاد الديني و القومي من قبل السلطات العروبية السنية التي تحكم في دمشق، ولكن السلطات العروبية السنية، التي كانت تدير الحكومة المدنية في دمشق تستغل المشاعر الدينية لدى العديد من وجهاء الكورد، و تستغل المشاعر القومية لدى أغلبية زعماء العشائر البدوية العربية, لكسب تأييدهم لقاء وعود كاذبة لم تتحقق ,وتم ضم المناطق الكوردية و العلوية و الدرزية إلى منطقة حكمها المباشر، و استغلال ثروات هذه المناطق و التصرف بها، بمساعدة الانكليز والاتراك,وضعف التحالف المطالب بالحكم الذاتي في الجزيرة الكوردية بسبب ضعف السلطة الفرنسية في المنطقة وانسحابها من مناطق نفوذها,واستولى العروبيون الموالون للانكليز على الحكم,
و فقد الدروز و العلويون ايضا حكمهم الذاتي اللذي كانو يتمتعون به ,واندمجوا نوعا مع الادارة العروبية الجديدة,وبالنسبة لوعود العروبيين و الاسلامويين اللتي قطعوها لبعض عملائهم من الكورد في الجزيرة,فقد ذهبت ادراج الرياح كالعادة,اما المسيحيين في الجزيرة، فقد تم تخيير من بقي منهم بين الخضوع للاضطهاد أو العمل كولاء و سماسرة للعنصريين و الطائفيين, وبدا مشروع التعريب الممنهج وتعريض ابناء المنطقة لشتى انواع الاضطهاد العنصري, الشوفيني,وزادت حدة هذا الاضطهاد بعد استيلاء حزب البعث العنصري على الحكم وحتى يومنا هذا.
لقد اثبت حكم المركز عدم نجاحه في اي دولة من دول العالم, وخصوصا في الشرق الاوسط, ولم تنجح حكومة البعث في سوريا ,والعراق رغم كل المجازر البشعة ,والاضطهاد,والتعريب, والاجراءات العنصرية بحق الشعب الكوردي والاقليات الاخرى,وكانت النتيجة دائما الحروب,و انفجار للثورات المتتالية, ضد حكم المركز العنصري اللعين,وما زال مشروع اللامركزية قائما,و هو الحل الوحيد و اليتيم,والاسلم لادارة سوريا المستقبل,و المنطقة بشكل عام.
فان اي دولة متعددة القوميات و الأديان و المذاهب لا يمكن إدارتها ابدا بنظام مركزي بدون ممارسة القمع, و الاضطهاد,ولا تجلب على الجميع سوى القتل والخراب والمزيد من التخلف عن ركب الحضارة البشرية. 


كاردوخ ميردرويش
17_4_2012


تم النشر في  14,44 17|04|2012







أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر