أحمـــــــد قاســـــــــم :
إن قضية الشعب الكردي، ومنذ تأسيس الدولة السورية هي مدار بحث. ولقد اكتسبت هذه القضية بشكل خاص بعد استقلال سوريا من الإنتداب الفرنسي عام 1946 عندتأسيسها كدولة حديثة وفقاً لمعيار دولي، ولتكون عضواً فاعلة داخل دائرة الأمم المتحدة، والتي أنشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لتأخذ مكان عصبة الأمم.
لقد تعاون الكرد مع المكونات الأخرى في بناء هذا البلد في جميع الظروف الحياتية جنباً الى جنب كشريك وليس كضيف أو دخيل. وكل الدلائل التاريخية تؤكد على ذلك، لأن الوقائع لم تمر عليها مراحل تاريخية طويلة او قديمة، بل هناك من هم على قيد الحياة حتى الآن الذين تعايشوا تللك المرحلة، أي مرحلة نشوء دولة سوريا وعملية رسم الحدود، والذي فصل بين الأخوة والعمومة والعوائل، قسم بقي في الشمال، والآخر تم ضمه الى الجنوب، كونه هذا القسم الجنوبي كما في الشمال أصحاب اراض زراعية وأملاك لا يمكنه تركها، وهذا أيضاً مثبت وفقاً للطابو الذي كان يصدر من دوائر الحكومات العثمانية وبشكل رسمي.
إلا أن الحكومات الشوفينية التي توالت على سدة الحكم في سوريا، وخصوصا في مرحلة الوحدة بين سوريا ومصر، والمرحلة التي تلتها من حكومة الإنفصال وحكومة البعث، تنكرت كل الحقائق التاريخية والجغرافية وصكوك السندات العثمانية التي تؤكد على أن الكورد هم من يملكون تلك الأراضي التي اجتزئت من الكردستان الشمالية وهي المناطق الحالية التي يسكنها الغالبية الكردية: الجزيرة وكوباني( عين العرب) وعفرين ، بالإضافة الى العديد من القرى الحدودية بين هذه المقاطعات تمتد الى اكثر من تسعمائة كم على الحدود مع تركيا.
لقد استأثرت الحكومات الشوفينية الظروف الدولية للتشديد بالإضطهاد العنصري على الكرد، حيث همش كافة المناطق من التنمية والبناء، الى جانب تجريد اكثر من 120 الف مواطن كردي من الجنسية السورية في الجزيرة، محاولة منها لتهجير الكرد من مناطقهم الكردستانية ودفهم إما نحو الداخل او الى خارج البلاد. إلا أن ذلك لم يجدي نفعاً معهم، جاءوا ليطبقوا مشروعاً آخر سمي حينذاك بالحزام الأخضر والذ تم تسميته فيما بعد بالحزام العربي ايضاً في الجزيرة عام 1967 وتكميله عام 1974، ودفع الكرد الى الهجرة مرة أخرى من خلال تجريدهم من ممتلكاتهم ومن ثم تجويعهم، واجبارهم بشكل او بآخر الى الترحيل الغير المباشر بحثاً عن لقمة العيش. إلا أن ذلك أيضا جوبه بعناد كردي، حيث رفض الهجرة وتشبث بأرضه، كونه يؤمن بأن اقتلاعه من ارضه يعني إنهاء كرامته، لذلك تحمل العوذ والجوع ورفض الهجرة من أجل لقمة العيش.
لقد ناضل الكرد وبعناد من أجل الدفاع عن بقائه وبشكل سلمي من خلال تشكيلاته السياسية داخل أطر احزاب سياسية. ومع كل الظروف الصعبة من سياسية وإقتصادية وإجتماعية، استطاعت الحركة السياسية الكردية الحفاظ على أمن وسلامة الكرد من خلال انتهاج سياسة هادئة ومرنة لعدم استفزاز الحكومات او السماح للأنظمة الحاكمة بإيجاد زرائع الفتنة بين الكرد والمكونات الأخرى من المجتمع السوري، حيث اثبت الكرد ذلك من خلال تعامله مع الفتنة التي افتعلت في القامشلي من قبل النظام داخل ملعب كرة القدم في 12\3\2004 راحت ضحيتها العشرات من الشهداء ومئات من الجرحى واعتقال الآلاف من شباب الكرد. الآن وسوريا تمر في مرحلة صعبة جداً من خلال انطلاقة ثورتها الشعبية منذ اكثر من ثلاثة عشر شهراً. وأن الشعب السوري بكافة مكوناته يشارك هذه الثورة من خلال مظاهرات جماهيرية، يطالب باسقاط الدكتاتورية وإيجاد البديل الديمقراطي التعددي المدني من دون اقصاء احد فرداً كان أو جماعات. لقد بلغ شهداء هذه الثورة أكثر من ثلاثة عشر الف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى وأكثر من مئة الف معتقل وما يقارب المئة الف مهاجر خارج الحدود ومليون مهاجر داخل سوريا، الى جانب تدمير أحياء كاملة في العديد من المدن لقمع الإحتجاجات واستسلام الشعب لإرادة النظام الذي لايعرف سبيلاً لحل سلمي إلا القتل وسفك الدماء. الكرد ومن يومها الأول شارك الثورة، ودافع عن حقوق الشعب السوري من أجل الديمقراطية، كونه المستفيد الأكثر من انهاء الإستبداد. إلا أننا نرى ان هناك في المعارضة السورية جماعاتاً كانت او أفرادا، وكأنهم كوبي مستنسخ من هذا النظام الشوفيني الدموي، يحاولون إقصاء الكرد مرة أخرى من استحقاقات ما بعد الثورةعن طريق اختزال حقوق الكرد في اطار حقوق المواطنة والتساوي بين المواطنين عموماً من دون الأخذ بالإعتبار خصوصية كل مكون من القومية والدينية والمذهبية. متناسين أن الديمقراطية المنشودة لا تتحقق إلا وفق دستور صريح يحافظ على خصوصية كل مكون من مكونات الشعب السوري، وفي مقدمتها المكون الكردي الذي يشكل ثاني اكبر مكون من جهة، ومن جهة أخرى أنه صاحب ارض كردستانية تكمل الجغرافية السورية الحالية، والتي تميز وجود الكرد عن غيرها من المكونات الأخرى. ولهذا السبب واسباب أخرى لايمكن ان ترى سوريا نوراً بمعزل عن مشاركة الكرد في بناءها المستقبلي ما بعد الثورة. وأن المجتمع الدولي يدرك تماماً، ان الكرد هو من سيكون الثقل التوازني بين جميع المكونات الأخرى، وأن اقصاء الكرد يعني استفراد مكون دون الآخر بمقدرات الشعب السوري، يعني ذلك ان دكتاتورياً آخر في طريقه الى السلطة، وهذا ما يتخوف منه المجتمع الدولي الى جانب مخاوف المكونات الأخرى من الأقليات من المجتمع السوري المحقة. لهذه الأسباب نرى أن قضية الشعب الكردية في سورياً أخذت طابعاً إقليمياً ودولياً لسوريا المستقبل. فعلى الكرد أن يأخذ في إعتباره على أنه أصبح ذا أهمية استراتيجية على طاولة البحث الدولي لمستقبل سوريا. وأن يعمل الكرد وفقاً لرؤية واضحة من دون ارتباكات سياسية ودبلوماسية، وأن يعلم بأنه الشريك الفعلي لهذه البلاد ارضاً وشعباً.
أحمـــــــد قاســـــــــم
الكاتب والسياسي الكردي السوري
22\4\2012
تم النشر في 17,54 22|04|2012





