دلكش خليل .
خمسة آلاف سنة و الشعوب تناحر جلاديها من الطغمة الحاكمة و المتسلطة ولم تصل إلى الآن لإرادتها الحرة المتجسدة في طبيعتها الانسانية ، وما تزال تلك الطبقة الاستبداية الدوغمائية متسلطة على رقاب الشعوب ،
فمن خلال التعمق في الثورات الشعبية لشعوب الشرق الاوسط و شمالي افريقيا ، يمكن التوصل الى نظرة أعمق لنهاية هذه الثورات بإيجاد نقطة تقاطع هذه الثورات مع مصالح الانظمة العالمية المتمثلة حالياً في النظام الحداثوي الرأسمالي الصناعوي وألته الاعلامية الدعائية الضخمة بقيادة أمريكيا ومن قبلها بريطانيا و فرنسا قبل 500 عام ، حيث لا يمكن أبداً انكار بأنه أصبحت الولايات المتحدة الامريكية و حليفاتها في أوروبا إله العالم للقرنين العشرين و الحادي و العشرين و هو مؤسس كل السياسات و الكيانات الموجودة في العالم.
تختلف ثورة القرن الواحد والعشرين كثيراً عن باقي الثورات الشعبية، حيث إن الانسان الكردي أحد المكونات الاساسية في بنية الشرق الاوسط لم يعد ذلك الإنسان الذي يمكن توجيهه وفق غايات القوى الموجودة على هذه الجغرافيا ، اصبح الكردي الان منظماً وله استراتيجية و برنامج و عقيدة يسير وفقها.
فمن جهة هناك مشروعان للثورات الشعبية الشرق أوسطية و شمالي افريقيا ، أولهما هو المشروع الكردي بريادة حركة حرية كردستان و قائدها أوجلان في تغير الذهنية الانسانية لمفهوم السلطة التي كانت السبب في فشل جميع الثورات الشعبية السابقة ، والثاني هو المشروع الامريكي متمثلا بالاسلامي المرن التركي بريادة الولايات المتحدة الامريكية وتوجيه كل خطوط الثورات الشعبية الى تركيا بعد تحويرها الى اسلامية بيد الجماعات الاسلامية .
يتمثل الحل الكردي في تغير ذهنية الانسان بشكل عام و الكردي بشكل خاص لمفهوم السلطة و النظام العالمي و خلق نظام ديمقراطي إيكولوجي يتبنى الارادة الحرة للشعب كأساس للمجتمعية الديمقراطية ، و يتجلى ذلك في ايديولجية حركة حرية كردستان لتحليلها اسباب فشل الثورات الكردية و الشرق اوسطية ، حيث يرجع ذلك الى تكرار الوقوع في دوامة الدولة القومية المستندة على الحزب الواحد و اللغة الواحدة و اللون الواحد والعلم الواحد، وهكذا تتدرب و تنظم الانسان وفق هذه الذهنية بهذا الشكل ينكر جميع الثقافات الاخرى والافكار الاخرى وهكذ ارضخت الشعوب و انكرت البعض و قامت بإبادة الاخرين.
اما الحل الامريكي معتمد على سياسة الاسلام المرن و عبر هذا الاسلوب تريد أمريكا فرض هيمنتها على العالم العربي و الاسلامي، و يقوم بدور رأس الحربة في تسيير هذه السياسة الحاج أردوغان و يتجلى في تصبيغ تلك الثورات الشعبية بطابع أسلاموي مرن عن طريق الجماعات الاسلامية الموجودة في تلك البلدان تتخذ من حزب العدالة و التنمية الاسلامي التركي أساسا في كل توجهاته.
فقد كان نموذج الاسلام المتشدد و المتطرف مشروعا أمريكيا لوقف المد الشيوعي السوفيتي العدود اللدود آنذاك ، للحيلولة دون وصول الشيوعية بشكل قوي الى الشرق الاوسط و شمالي افريقيا والقوقاز (بالاضافة الى التنظيمات المافيوية كالكلاديو و اركنكون للاغتيالات السياسية في اوروبا و تركيا لنفس الغرض في وقف المد الشيوعي.)
و لقد انهت امريكا دور هذا المشروع في احداث 11 ايلول 2001، و بدأت بالتحضير لنموذج اسلامي أخر وهو الاسلام الليبرالي المرن بصعود حزب العدالة والتنمية الاسلامي التركي الجناح السياسي لجماعة فتح الله كولان القاطن في امريكيا، هذه الجماعة المدعومة أمريكيا كان قدم التحضير لها منذ فترة طويلة حيث أنشات كبداية العديد من المدارس و الجامعات في تركيا و دول الشرق الاوسط وشمالي افريقيا و القوقاز وتخرج من مدارسها و جامعاتها العديد من المسؤولين الحاليين لتركيا ك رجب طيب أردوغان و عبد الله كول.
فأمريكا مدركة جيدا بأن هذه الانظمة الحالية أصبحت بالية و لم تعد تنفعها، وتعرف جيدا بأن شعوبها ايضا لم تعد تتحمل هذه الانظمة لذا باشرت بصنع السيناريوهات و الالاعيب من استغلال هذه النقاط حسب مصالحها و هكذا لجأت الى تنظيم مجالس وطنية كما يسمونها لجعلها بديلا لتلك الانظمة .
فالصبغة التي إرتئ اليه النظام العالمي هو في إعادة إحياء الحركات و الجماعات الاسلامية و مطيها على الثورات الشعبية بعد ربط كل خطوط هذه الحركات بتركيا واعتبارها الاب الروحي للانظمة الجديدة.
و رأينا كيف استقبل حزب النهضة الاسلامي في تونس بلد الشرارة الاولى للثورات الشعبية لكتيبة العدالة و التنمية التركي قبل ان يتسلم السلطة الانتقالية في تونس ، يضاف اليها الاستقبال البهيج للاخوان المسلمون في مصر و الذي شكل لنفسه ولمصر المستقبل جناح سياسيا كالعدالة والتنمية ، واعلان المجلس الانتقالي الليبي بالعمل وفق الشريعة الاسلامية ، كما نرى ايضاً احتضان تركيا للمجلس الوطني السوري ذو الغالبية الاسلامية و أذيالهم من المثقفين العرب و الكرد المتملقين على الثورة السورية ، الذين قدموا في اول فرصة رسالة الخنوع لتركيا والاقتداء بنهجها باتهام نضال حركة حرية كردستان بالارهاب ، كتطمين أولي لتركيا في تعاملها المستقبلي مع الكرد ، ومن المعلوم إنه جرى اتفاق بين الاخوان المسلمين و العدالة و التنمية على عدم الاعتراف الدستوري بالكرد إذاما تسلموا الحكم بعد الاسد وقبول اتفاقية آضنة التي وقعتها الدولة التركية مع نظام الاسد البعثي .
و المؤسف مانراه الآن بقيام الالة الاعلامية الدعائية العربية والعالمية بالترويج لهذه الانظمة الجديدة و وصفها بأنها الحل الافضل كبديل للديكتاتوريات من جهة والعمل على التعتيم المقصود على باقي القوى الديمقراطية والليبرالية من جهة ثانية من خلال تغذية ذهنية الانسان العربي و الكردي و إقناعهم بأنه إذا أردتم اسقاط هذه الانظمة فلا حل لديكم سوى موديل تركيا و نظامها الاسلامي ، هذا وفي الوقت نفسه تحاول فيه هذه الالة الدعائية الفظة ضرب وتعتيم المشروع الكردي للحل الديمقراطي في الشرق الاوسط بترويج الروايات التركية عن الكرد بشكل فظيع متفقة بذلك مع الانظمة الديكتاتورية مع العلم بأن الكرد هم من أكثر الشعوب التي عانت من قمع و أضطهاد هذه الانظمة .
و الشعب الكردي و حركته التحررية مدركان جيداً لحقيقة هذا المشروع التركي الامريكي الذي لا يخدم الثورات الشعبية بل يؤدي الى تحريفها كما كانت سابقاتها من الثورات.
دلكش خليل
مهندس و ناشط كردي