الصفحات

كاردوخ ميردرويش : تاريخ الکورد في خراسان وبدايات التهجير القسري



كاردوخ ميردرويش  :

منذ سقوط امبراطورية ميديا العظيمة, على يد القائد الفارسي (كورش) بطريقة خبيثة وغادرة, و استيلائه على حكم جده من امه الملك الكوردي الميدي( استياغ) اللذي اكرم حفيده ابن ابنته( كورش)واوصله الى اعلى المراتب في بلاط الامبراطورية الميدية, وخيانة قائد الجيش الميدي
  (هارباك) اللعين ووقوفه الى جانب( كورش) الفارسي,وبدا معها مسلسل الالام والمعاناة للشعب الكوردي, فمنذ ذلك الحين فقد الكورد ملكيتهم الفعلية على اراضيهم وتعرض خارطتهم الجغرافية و السياسية, الى ابشع انواع التزوير و الظلم والتشويه وحتى يومنا هذا, والمصائب تتكرر على الشعب الكوردي, ولم تفارق مسيرته التاريخية,والنضالية حتى تقلصت حدود جغرافيته الى هذه الدرجة اللتي نشاهدها اليوم.
لقد كانت سياسات الحکومات التي ضمت اراضي الکورد في كافة اجزاء کوردستان, هي واحده في مضمونها, كمحاولة صهر و اذابه, هذا الشعب العريق والاعتداء عليه, وعلى طبيعته وجغرافيته, اللتي يمتد تاريخها الى الاف السنين, وكانت اسوا انواع هذه السياسات اللاانسانية و اللا شرعية, هي اتباع اساليب القمع و والابادات الجماعية و الهجرات القسريه للکورد الي خارج اراضيه.
ولكن الحادثة اللتي قصمت ظهر الكورد وقسمتهم لاول مرة في التاريخ, و قضت على احلامهم في الحرية, وبناء دولتهم من جديد كانت معركة جالديران اللعينة عام 1514 م, اللتي لم يكن للكورد فيها ناقة ولا جمل, ودفعوا ضريبة باهظة ثمن هذه المعركة المشؤومة, و يبدوا انه قدر كوردستان ان تصبح ساحة صراع بين الاعداء,ويصبح الشعب الكوردي وقود حروبهم ومادتها عبر التاريخ.
لقد تركت سياسات التهجير القسري , تاثيرات خطيرا من الناحية السياسيه والديموغرافيه, ساهمت في اعاقه تحقيق اهداف الشعب الکوردي, و تقليص خارطته الجغرافية وتجزئتها , لتحطيم اسسه الذاتيه وصهره ,و تركت ايضا اثارا ,اجتماعيه و اقتصاديه خطيره والكثير من الضحايا البشريه لاجيال من الکورد, الذين فقدوا بسبب هذه الحروب المتتاليه, و لم يستفيدوا منها شيئا سوى التشتت والدماروالحروب المتتالية في خدمة الاعداء, سببت معانات مزمنه لهم,و مشاکل وفوارق عرقيه وصعوبه التکيف والاندماج في البيئه الجديده لسنين طويله.
ان (چالديران) منطقه تسکنها عشائر کورديه( کرمانجيه) تقع بين (خوي و باکو)يتحدثون باللهجة (الكورمانجية) مثل لهجة مناطق شمال كوردستان,وتابعة لاذربيجان الغربية وهم من اتباع المذهب الشيعي.
لقد جرت احداث هذه المعركة في منطقة (جالديران) بين الصفويين الشيعة بقيادة الشاه اسماعيل الاول,والعثمانيين السنة بقيادة السلطان سليم الاول(ياوز),انتصر فيها العثمانيون السنة انتصارا ساحقا بسبب, وقوف غالبية الشعب الكوردي الى جانب العثمانيين السنة,لاسباب عديدة ,منها معاملة الصفويين السيئة للشعب الكوردي, و العامل المذهبي اللذي لعب دوره بشكل رئيسي, في تحييد غالبية الكورد الى جانب العثمانيين السنة,فاستطاع العثمانيين اللعب على هذا الوتر بجدارة,وذكاء وبتحريض مباشر من السلطان سليم بواسطة الشيخ الكوردي ادريس البدليسي لتحييد الكورد الى جانب العثمانيين في هذه المعركة الكارثية, اللتي ادت الى تحول خطير
علي المدى القريب والبعيد, لمستقبل الخارطه الکورديه,الجغرافية والسياسية,وتبعات كارثية اخرى لا زالت مستمرة حتى ايامنا هذه
:) فيقول المورخ الكوردي وهو من كورد خراسان( کليم الله توحيدي
لقد شارك الکورد بقياده القائد الکوردي(رستم بگ چشمگزگ) الي جانب الشاه اسماعيل الصفوي ضد العثمانيين ,الکورد ليس فقط خسروا الاف من الضحايا في هذه المعرکه الفاشله, بل نتائجها ادت الي تقسيم اراضيهم وتقليصها بين الامبراطوريتين ومنها انضمت منطقه دياربکر او( اميدي) الي الحکم العثماني الجائر.
لقد كانت معاملة حكام ايران الصفويين سيئة جدا بحق الشعب الکوردي ,وخصوصا في فترة حکم (الشاه اسماعيل الاول 1501 - 1524 م ..الشاه طهماسب الاول 1524- 1576م ..والشاه عباس الاول 1578 – 1629 م).
فقد قام هؤلاء الحكام الصفويين, بتهجير العديد من القبائل والامارات الکورديه المستقله اللتي كانت تتمتع بنوع من الحکم الذاتي في شرق وشمال شرق کوردستان, وکانت تضم هذه الامارات, عشائر وقبائل (الزعفرانلو ,الچگني ,الکلهور ,الشادلو ,امارلو او عمارلو ,القراجورلو و الکاوانلو), المعروفين بشجاعتهم ودرايتهم العسکريه وكانوا يعيشون في المناطق التي تحيط (ببحيره وان), مناطق غرب (بحيره اوروميه) والمناطق التي تحاذي جنوب( نهر اراز او اراس) , اي کانت تقع بين الامبراطوريتين(العثمانية و الصفوية) التين تختلفا في المذهب والقوميه,لقد کانت هذه الامارات مصدر قلق للصفويين,و کانت الحدود الشماليه الشرقيه للصفويين في شمال مقاطعه خراسان غير امن بسبب,الهجوم المستمرمن قبل (الاوزبك ,التاجيك وبقايا المغول) الذين کانوا يعيشون بمحاذاه هذه الحدود وبدعم من الاتراك اللذين يشاركونهم القومية والمذهب,فقام الصفويين بتغيير ديموغرافي خطير للمنطقة الكوردية للسيطره علي الصراع الداخلي و اخضاع تلك الامارات والقبائل الکورديه, لنفوذها خوفا من قوه واهداف الکورد, علي المدي البعيد, وللوقوف ضد اطماع العثمانيين, مما ادت تلك السياسة الي صراعات دمويه, انتهت بزوال تلك الامارات والقبائل وتدمير عدد کبير من القرى الکورديه و خسائر كبيرة بالارواح, وتم تهجير اكثر من 50000الف عائلة كوردية قسرا الى مناطق خراسان, خلال فترات زمنية متتالية, لمدة تزيد عن المئة عام, الى جبال (البرز ودماوند) باتجاه خراسان لاخضاعهم لعمليه التجنيد لصالح الصفويين.
وعلى الرغم من الظلم والتهجير القسري اللذي تعرض له الكورد من الصفويين ,كان حكام الصفويين يثقون بالكورد ثقة عمياء لانهم كانوا يعرفون صدقهم ووفائهم وبسالتهم عبر التاريخ,فقد استطاع عشائر الكورد الانتصار على (الاوزبك والمغول والطاجيك) وسحقهم واخراجهم من الحدود الايرانية.
واسترجعوا الاراضي المستقطعه من قبل الاوزبك بل اصبحت کل من مدن( بلخ اي مزار الشريف حاليا وتابعه لافغانستان,و مرو,بخارا و خوارزم في ازبکستان), تحت سيطرتهم ونفوذ حکمهم ودامت هذه الحروب عشره سنوات,و في عهد الشاه عباس تمت المرحله الاخيره لاستقرار الکورد في اکثر مناطق خراسان, واصبحوا مالکيها, وکان لهم نفوذ قوي في حکم هذه المقاطعة.
ويقدر عدد الکورد في خراسان حاليا باكثر من 2 مليون کوردي وما زالوا يتکلمون لغتهم الکورديه (الکرمانجيه) القريبة من لهجة اهالي منطقة اورفا في شمال كوردستان, ويفتخرون بکورديتهم وبعد خمسه قرون ورغم الظروف القاسيه التي فرضت عليهم وبعدهم عن وطنهم الام کوردستان حافظوا على علي لغتهم وتراثهم الثقافي الغني وعاداتهم الکورديه الاصيله الخاصه بهم,و تعد مدن وقرى, وقصبات کل من( مشهد ,قوچان ,اسفراين , بجنورد , شيروان ,چناران في شمال مشهد ,رادکان ,فاروج ,لايين ,جوين ,مانه وسملقان ,راز ,باجگيران ,اشخانه ,درگز ,منطقه چناران بجنورد ,نيشابور و سبزوار) اماکن سکناهم وتعيش في هذه المناطق اکثر من 30 قبيله وعشيره کورديه ومنهم عشائر (الچشمگزگ التي تضم عشائر الزعفرانلو ,امارلو ,قراچورلو ,الکاوانلو ,الکيکانلو والشادلو)و يعيشون في مناطق (قوچان ,شيروان ,بجنورد ,چناران التابعه لمنطقه بجنورد) وعشائر القهرمانلو يسکنون (سلسله جبال شاه جهان), وتسکن عشائر الکاوانلو منطقه (مشهد ومنطقه چنارن) التابعه لها, وعشائر الميلانلو التي تضم 43 قبيله کورديه تعيش في منطقه( اسفراين )والقري التابعه لها, اما عشائر التوپکانلو تعيش مناطق( سبزوار و نيشابور) وبقيه مناطق خراسان,, وتعيش بقيه القبائل الکورديه في مناطق متفرقة من خراسان, وبعد مرور اكثر من أربعة قرون على استقرار الكورد في شمال اقليم خراسان، فإنهم مازالوا يحتفظون بتراثهم الموسيقي ويغنون الأغاني الكوردية, ويرددون الملاحم والاساطير الكوردية في مجالسهم ويعتبر تراثهم الموسيقي نمطاً اصيلا من أنماط الموسيقى الكوردية التي تسبح في بحر من الميلوديات، خصوصاً وان كورد خراسان يعتزون بأصولهم القومية، ويعتبرون موسيقاهم موسيقى كوردية خالصة. والعديد من الآلات الموسيقية التي يستخدمونها حتى الآن، هي آلات موسيقية كوردية اصيلة مثل: الدهول، المزمار (الزرنا)، الكمان، الدف، الدوزله (المطبق)، الطنبورة.
و حافظت الموسيقى الكوردية في خراسان على خصائصها، حيث دونت منظمة اليونسكو موسيقى شمال خراسان التي هي موسيقى كورد الاقليم، كأحد روافد تراث فن الموسيقى في العالم. وتتميز هذه الموسيقى عن موسيقى باقي مناطق اقليم خراسان كونها موسيقى مقامية, والكثير من نصوص الأغاني والملاحم المغناة عند كورد خراسان, هي نتاجات أدبية للحروب التي خاضوها اثناء مقاومتهم لهجمات أقوام آسيا الوسطى.
ويعود سبب وجود الكورد في (افغانستان ,پاکستان ,الهند و العاصمه دلهي ,اوزبکستان ,تاجيکستان وبقيه المناطق الروسيه) الى مشاركتهم الى جانب, نادر شاه عام 1736- 1747 م,في حملاته في تلك المناطق ,و کذلك في عهد القائد الکوردي,(کريم خان زند) 1705 ـ 1779م..الذي حکمت سلالته ايران حدود الخمسين عام, وقام بعدد من الحروب الىاخليه التي علي اثرها تشكلت قسم من عشائر( الزند ,الزنگنه ,اللور ,اللك والکلهور) الکورديه خارج کوردستان مع العشائر الكوردية الاخرى في مناطق جنوب خراسان ومقاطعات( گرگان ,ساري ,گيلان ومازندران) والجبال المحيطه ببحر الخزر ومنها المناطق السياحيه الجميله جدا مثل (ماسوله, کلاردشت ,رودبار ,كجور) والجبال القريبه من کندلوس وغيرها.
ومن اهم الشخصيات الكرمانجيه البارزه في خراسان والتي ساهمت في اثراء تاريخ الکورد وتاريخ ايران والعالم منهم الشاعر العالمي العظيم( بهار) ملك الشعراء 1884- 1951م من مدينة مشهد و الشاعر( جعفر قلي زنگلي) 1855م من منطقة قوچان وله ديوان شعر باللهجه الکرمانجيه و القائد العام لقوات خراسان واول طيار في ايران (محمد تقي خان پسيان) 1921- 1892 م واکمل دراسته العسکريه في المانيا وهو من كورد روسيا من عشائر الپسيان الشجاعه, الذين هاجروا عبر نهر اراز الي منطقه اذربيجان في العهد القاجاري, وايضا من اهم العظماء المعاصرين الذين اثرو التاريخ الکوردي هو المورخ الکبير,کليم الله توحدي او( کانيمال) 1941م, وهو من كورد شيروان ,وله سلسله عظيمه من الکتب التاريخيه بعنوان (حرکت تاريخي کورد به خراسان) اي (الحركه التاريخيه للكورد في خراسان), واصبحت من اهم المراجع التاريخيه عند الكورد بالاضافة الى العشرات من الشخصيات الکورديه الخراسانيه المشهورة.
لقد زادت معانات الكورد الخراسانيون, بعد استيلاء الملالي في طهران على الحكم, حيث جعلوا الكورد في خراسان منعزلين عن العالم الخارجي, و تراجعت نسبة التعليم هناك بشكل كبير وخاصة لدى النساء, وتراجع التحدث باللغة الكوردية بشكل ملحوظ,فهم يعيشون في ظروف صعبة للغاية, ويتعرضون الى سياسات عنصرية تهدف الى تغييرهويتهم وتذويبها في بوتقة الفرس,و تستخدم السلطات الايرانية سياسة سلب الهويات ضدهم منذ اكثر من ثلاثين عاما، و ازدادت شدة هذه الاجراءات العنصرية مع مطلع التسعينات من القرن الماضي، وخاصة منعهم من الاعلان عن كورديتهم ومنعهم من التحدث بلغتهم الكوردية,بالاضافة الى المشاكل الاجتماعية الاخرى واهمها الفقر, ويمكن ملاحظة معاناتهم بشكل واضح من خلال موسيقاهم الحزينة وغنائهم الحزين والجميل.
فالى متى سيبقى هذا الشعب العريق يعاني من هذه السياسات العنصرية واللاانسانية الممارسة بحقه وعلى ايدي اقذر الاعداء شراسة على وجه الارض؟؟؟؟؟


كاردوخ ميردرويش
4/5/2012

تم النشر في  11,11 04|05|2012