أحمد يوسف
آلة القتل تعمل بالأرواح, الوطن يغلي والدّماء تسيل, والكلّ يدور في دوّامة يبحث عن سبيلٍ للخروج من الأزمة, وما من أزمةٍ في الثّورة إلا كونها مخضّبة بدماء الشّعب الأعزل الثائر.
بعضهم يبحث عن استحقاق شخصي للخروج بقضمة محرزة على حساب الدماء الطاهرة, والبعض يحرّكه ضميرٌ وطنيٌّ حيّ يبذل جهوداً كبيرة,لا همّ له سوى مستقبلٍ مشرّفٍ للوطن,وغدٍ مُشرِقٍ لشعبٍ كان عنوانه الألم طيلة العقود الخمسة الأخيرة.
بالنسبة لنا نحن الكُرد في غربي كُردستان وسورية ربّما ندّعي أحياناً أننا مجتمعٌ أكثر تنظيماٌ من بقيّة المجتمعات في سوريا, والطيف الأكثر تعاطياً بالسّياسة من الأطياف الأخرى في الوطن السّوري نتيجة الضغوط المضاعفة التي مارسها ويمارسه النّظام اليعثيّ الشّوفينيّ بحقّنا طيلة عقودٍ خلت, بيدَ أنّ تعاطينا هذا مازال في مراحله الأولى ولذلك لسببين :موضوعيٌّ وذاتيّ, السبب الموضوعي هو المتمثّل بجهود السلطة الجبارة لبثّ الفرقة والتناحر بكلّ وسائلها بين مختلف التيّارات الكرديّة, لا بل وعملها على تغذية هذه التيارات بثقافتها القائمة على إنكار الآخر, وصبغ الحركة الكُرديّة بصبغتها التفرّديّة, فحركتنا الكرديّة ولدت وترعرعت في ظلّ بعثٍ شموليّ واكتسبت جلّ مساوئه وأمراضه, امّا السّبب الذاتي فيعود إلى الشخصيّة الكُرديّة نفسها, فهي شخصيّةٌ خبِرت الانكسارات والخيبات, وتفتقر إلى خاصيّة الوئام والانسجام والمصالحة مع الذّات وبالتّالي الافتقار إلى قدرتها على التصالح مع الآخر المختلف, مع مسحةٍ من النرجسيّة تقتضي تفخيم الذّات والنفخِ في ما أنجزه مهما صغُر, وتسخيف إنجاز الآخر وتحقيره مهما عظم.
ربّما لن يكون من السّهل الخروج من عباءة السنين, ولكن هذا لن يكون مستحيلٌ أيضاً, فإنّ تفجّر الوضع السياسيّ في سوريا وثورة الشّعب في وجه السلطة وضع الحركة الكردية في سوريا على المحكّ, بعيداً عن الإيغال في التشاؤم, وليس مغالاةً في التفاؤل أيضاً نلاحظ أن الحركة الكرديّة بدأت تعي ذاتها وما تنفكّ تخطو خطوات جدّيّة في سبيل المصالحة والتقارب, ووضع مصلحة الكُرد فوق أيّة مصلحة, طبعاً مع التحفّظ على فتاوي (بعض) الفقهاء ممن لفظتهم الحركة و يعيشون الآن في الإقليم وأوربا وكندا, ويحاولون وضع الحركة الكُرديّة والنّظام السوري في خانة واحدة في رغبةٍ منهم بإسقاط الحركة قبل التفكير بإسقاط أيّ شيءٍ آخر, وذلك من خلال محاولة تأليب الشارع على الحركة الكرديّة وأحياناً تأليب بعض أطراف الحركة على طرفٍ بعينه لإقصاءه من مشهدٍ سياسيّ لم يغِب عنه يوماً, متذرّعين بحجج أقلّ ما يمكن أن يقال عنها بأنها واهية.
"خرقةٌ" مقدّسة:
يغيب طويلاً وبين الفينة والأخرى يطفو على السّطح السياسي كاتبٌ لا علاقة له بالشأن السياسي,ولكن إن طفى, فجأة يلوث صفحات المواقع بلغته التخوينيّة.
مثله مثل أصحاب المجلس (المَبرَك) السّياسي ( الوهمي) في التخوين.
صار رفعُ الألوان الكرديّة عاراً بنظره, فعمد إلى تشبيهها بخرقة إفريقية, وحاملي هذه الألوان هم خونة وأفارقة. وكانّه أراد أن يُفهم من كلامه أنّ الأفارقة ليسوا بشراً حتى يجاهر بكلّ هذا التهكّم, هذه " الخرقة " باتت - كما يبدو – تقضّ مضاجع ناعِتِها والذين من أمثاله لأنها تثير ذواكرهم التي كانت كرديّة يوماً ما, وكلّ ما يذكّرهم بالكردواريّة يثير اشمئزازهم, ألستم معي بأنّ عيون الثقافة تردمها المواقف المخزية؟
حزب المظاهرات و المرأة:
وصف أولئك التخوينيّون سابقاً تيّاراً كرديّاً هامّاً وله ثقله بحزب المظاهرات وحزب الشوارع وحزب المرأة, معبرين بذلك عن ذهنيّتهم الذّكوريّة وشخصيّتهم الفوقيّة المتكبّرة, حين كان ينزل هذا الحزب إلى الشارع بقياداته وجماهيره ويقوم بنضاله المطلبي من خلال المظاهرات لم يكن يدرك أحدٌ في سوريا قاطبةً ما يمكن أن تفعله المرأة والمظاهرات والشارع في تغيير مجريات الأحداث.
هذا التيّار الكردي ليس حديث العهد بأساليب النضال المطلبي الديمقراطي فهو قد خبِر الشارع خلال سنواتٍ من الحراك السياسي والاجتماعي وبتضحيات جسيمة, لذا فلا أحد يحقّ له أن يملي على الآخر أسلوبه في النضال وطريقته في التعبير عن مطالب شعبه المشروعة و المحقّة,
الثورة ثورة كلّ الشّعب السوري بكلّ أطيافه, وليست ملكاً لأحد ولا لأيّ طرفٍ أو أيّ تيّار,فلو استثنينا ثلّة من الانتهازيين قد نعرفهم وقد نجهلهم, فإن الجميع يشارك في صنع الثورة ودفع عجلتها, والحركة الكرديّة بكافّة أحزابها جزءٌ من الثورة, والكلّ يترك بصمته لبناء مستقبل الوطن, ويساهم بالشكل والأسلوب الذَين يراهما مناسبين, فمثلاً: قد لا يروق لي ربط المظاهرات بيوم الجمعة حصراً, ولا بعبارات التكبير,وقد لا يروق للبعض انطلاق المظاهرات من المساجد, ولآخرين قد لا يروق رفع العلم السوري الحالي بل يفضّل علم الاستقلال. إذن هل تتوقف الانتفاضة الشعبيّة عند هذه الأمور الاختلافيّة!؟
تنسيقيّات:
في منتصف التسعينيّات من القرن الماضي تلقى الكُرد ببهجة كبرى نبأ انطلاقة أول محطّة فضائية كرديّة فأخذت الجموع تتوافد على بيوت الجيران والأقارب لتحظى بمتابعة نشرة أخبارٍ تبث باللغة الكُردية,الآن وبعد ستّة عشر عاماً من مسيرتها الإعلاميّة المشرّفة وبمسمّيات عدّة, رغم كل الضغوط التي تمارس عليها من قبل أعداء الشعب الكردي, ينبري الآن بعض الشباب من تنسيقيات الثورة لتتهجّم عليها وتشتمها بألفاظٍ نابية وبذيئة, فاللذين شتموا السيّد هوشنك أوسي هم أنفسهم اللذين تطاولوا على فضائيّة روج تيفي وشتموا كلّ كوادرها المحترمين السّادة أجدر شيخو وبنياد جزيري وطارق حمو ونواف خليل, حتى الشاعر الكبير أحمد حسيني لم يسلم من تطاولهم فقط لأنّه "يحترم لغته" ,وذلك من خلال تعليقاتهم في ذات الموقع تحت بيان كان قد نشره حزب الاتحاد الديمقراطي. وسمعنا في الآونة الأخيرة بتهديدهم للشاب سيبان أحمد الذي شارك في برنامج روج نامه الأخباري. فهل هذه هي الأخلاق الثوريّة؟ وأيّة نزعة تدفع شبابنا للقيام بتصرفات لا مسؤولة؟ ولمَ الانجرار وراء أقلامٍ رديئة بالكاد ترتّبُ حروفاً مكرورةً وممجوجةً تبثّ النفاق والشّقاق؟
حريٌّ بنا ان نعيد النّظر في أنفسنا قبل النظر في أي شيءٍ آخر, وحريٌّ بنا أيضاً أن نتضامن مع بعضنا مثلما نتضامن مع المدن السورية المنكوبة والجريحة, وأن نقتل الشّكّ في أنفسنا أولاً حتّى يثق بعضنا بالآخر, والابتعاد عن ذهنية الانكماش والتشنّج, فوجودي ليس شرطٌ لعدمك, ولا عدمي هو شرطٌ لوجودك.
أحمد يوسف
30/7/2011