أحمــد قاســـم : سوريا في ظل الرهانات الدولية


 أحمـــــــد قاســـــــــم :

سوريا ومنذ استقلالها تصارع مع الذات السوري ومحاولة أحد مكوناتها أن تتلبس بغطاء عروبي من خلال طرح شعارات متتالية طوال مراحل عمرها بعد الإستقلال، مرة الوحدة العربية وأخرى التضامن

  العربي، وفي بعض الأحيان الإتحاد والتعاون، إلى آخره من مصطلحات اخترعها الحكام طوال سنين حكمهم، من دون الإكتراث الى قواعد التطبيق ولو لمحاولة واحدة، لأن ذلك كان بالأصل تطرح من أجل الخداع والنفاق على الشريحة الواسعة من الجماهير الذي أيقن أن صراعه مع إسرائيل هو صراع الوجود لاصراع على الحدود، حيث أن وجود دولة إسرائيل منذ عام 1948 كانت حصانة لإستمرارية حكام مستبدين ديكتاتوريين، صنعوا، لنفسهم غطاءً شعاراتياً لإرساء قواعد الإستبداد لحكمهم وإطالة عمرهم مادام يتسلحون بقواعد وكأن لا بديل لهم وأن جميع أفراد الشعب أقزام والقائد الأوحد هو من يصنع الإنتصارات والمعجزات. وكانت سوريا ومنذ الإستقلال تتخبط بين الترسانات من المفاهيم المعكوسة لحياة شعبها الذي يتكون من العديد من المكونات العرقية والدينية والمذهبية. وأن الصراع مع إسرائيل وظروف حرب الباردة أستخدمت من قبل حزب البعث بدهاء، حيث رسخ الحزب في أذهان غالبية الشعب السوري على أن، من يعارض الفكر الإيديولوجي البعثي ومنطلقاته الفكرية والنظرية، يعني أنه يقف مع الإبريالية والرأسمالية والتي بدورها تساند إسرائيل ضد المشروع العربي وتحرير فلسطين. هذه القاعدة ارتكز عليها النظام طوال حكمه، وخاصة بعد تشكيل الجبهة الوطنية التقدمية، والتي تشكلت من العديد من الأحزاب القومية واليسارية بما فيها الحزب الشوعي السوري، وذلك بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي.

 مما تقدم، ومن خلال ممارسات النظام ابشع انواع النفاق ضد الشعب السوري، واتهام ابناء هذا الشعب بالغباء تارة وتشويه سمعته تارة أخرى من خلال توسع الأجهزة المخابراتية المتعددة بين شرائح المجتمع، بحيث يرى المواطن نفسه قزماً أمام اصغر موظف في الجهاز الأمني للنظام، ويخضع كفرد من القطيع لأوامره حيثما يشاء، وبذلك اغتصب ارادة الفرد والجماعة ليتشكل من الشعب قطيعاً..حتى أن الحركة السياسية الكردية أصبحت تتخوف جدياً من إتهامات النظام لها، قد تتهم بارتباطها بالإمبريالية والصهيونية لأتفه أسباب وبتأييد من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية. عندها سيقوم النظام بحملات قمع واعتقالات وتعذيب في صفوف الكورد استناداً الى تهم جاهزة سيلفق عند اي لحظة كمايشاء..ولهذا السبب الواضح كانت الحركة الكردية حذرة جداً أن تقع في أفخاخ النظام، حيث استطاعت الحفاظ على أمن المواطن الكردي قدر المستطاع. ومع ذلك لم يفلح الكرد، حيث تعرض الى ابشع انواع الإضطهادالقومي، كالحزام العربي والإحصاء الإستثنائي، بالإضافة الى تعريب المناطق الكردية من خلال تغيير أسماء الأمكنة والقرى والمدن من الكردية الى العربية تحت صمت مهيب.
 و كذلك الشعوب والأقليات الأخرى تدجن تحت خيمة الأمن السوري، كالأرمن والسريان بشكل كامل، وقسم من الآشوريين والدروز والعلويين، والعرب السنة بعد أحداث حماة عام 1982 اصبحت جزءً من السلك الأمني بشكل فظيع لترهب كل قطاعات الشعب السوري ونزع الثقة بين مكوناتها طوال خمسة عقود.

 و نحن الآن نمر في مرحلة ثورة شعبية تتوسع يوماً بعد يوم، نرى أن تلك السياسات تفعل فعلها حتى بين المعارضات السياسية للنظام. وما جرى في مؤتمر القاهرة يومي 2ـ3\7\2012 قبل عدة أيام كانت كارثة بحق الشعب السوري، عندما رأيناالقوى المهيمنة على المؤتمر كيف تتعامل مع الكرد كأكبرمكون من مكونات الشعب السوري بعد المكون العربي، على أنه مواطن ليس إلا، ونفت على أن الكرد في سوريا شعب يعيش على جزء من وطنه كردستان المجزأة بين اربعة دول وفق إتفاقية سايكس ـ بيكو..وكذلك موقف المعارضة تجاه بقية المكونات والأقليات الأخرى، حيث أدت الى انسحاب الكرد من المؤتمر.
 إن سوريا بمكوناتها المتعددة لم تعد تقبل استفراد مكون بالسلطة والجكم في المستقبل بعد قيام هذه الثورة التي تحمل شعار الحرية والكرامة، والتي يشارك فيها الكورد بقوة. وكذلك بقية المكونات من الشعب السوري تتخوف من مستقبل سوريا في الوقت الذي تستأثر القوى الشوفينية والدينية على أطر المعارضة السورية والسيطرة على قراراتها، حيث توضح بشكل أكثر شفافية في مؤتمر القاهرة. وهذا ما ادى الى غضب عارم من قبل الأقليات الأخرى، والتي ازدادت تخوفاتها المحقة من محاولات بعض القوى للسيطرة على مكتسبات الثورة. وهذه المخاوف تسحب الى العلاقات الدولية في الشأن السوري ومعالم مستقبلها بعد إسقاط النظام إن أمكن. لذلك أعتقد أن المجتمع الدولي سوف لن تضع آخر خياراتها في ميزان المعارضة التي تختل التوازن فيها وتسيطر عليها لون واحد، وهذا ما ترفضها الدول النافذة على المشهد السوري بشقيه المؤيد والمعارض للنظام. وبالتالي لا تستطيع المجتمع الدولي للوصول إلى رؤية مشتركة حول مستقبل سوريا ودعم المعارضة كما يجب.

  و وسط هذا المشهد يتحرك النظام بذكاء، حيث يعمل في كل الإتجاهات لتعميق الخلاف بين مكونات الشعب السوري أولاً والتأكيد على أن من تدعم الحراك الثوري والجيش الحر هم من الأصولية الإسلامية والقوى الإرهابية ودول تعادي سوريا وإلى ما هنالك من إدعاءات..
 وفي المحصلة، أعتقد أن سوريا امام تعميق الأزمات بين مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية، لتؤدي في نهاية المطاف إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات عرقية ومذهبية ودينية، وأعتقد في المحصلة أن المجتمع الدولي سيخضع الى نوع من أمر الواقع الذي يفرضه النظام على المشهد السوري وستتحمل القوى المسيطرة على قرارات المعارضة نتيجة ما ستصل اليه المشهد السوري وإطالة عمر النظام، وبالتالي المزيد من القتل والتدمير والتهجير والحروب الأهلية التي تظهر بين الحين وآخر. سوف يكون الخاسر الأكبر هو الشعب السوري في آخر المطاف.
      
 أحمـــــــد قاســـــــــم
 الكاتب والسياسي الكردي السوري     7\7\2012

تم النشر في 18,24 07|07|2012 





أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر