أحمــــد قاســـــم : سوريا بين الاستقطاب الدولي وغياب قوة التمثيل السياسي


أحمــــد قاســـــم :

منذ اسبوعين تتحرك الدول النافذة دبلوماسياَ بشكل ناشط، وخاصة بعد ارتكاب النظام مجزرة في الحولة. لقد قدم كوفي أنان تقريره الى مجلس الأمن، أكد من خلاله أن مبادرته اصبحت في العناية
  المركزة، لعدم تجاوب النظام السوري مع آليات التنفيذ، وخصوصاً في اول بنودها، والتي تتضمن وقف العنف وسحب الجش الى ثكناته، واخلاء المدن من المظاهر المسلحة، وهذا مالم تنفذه النظام حتى الآن، وبالتالي أن المبادرة بكاملها اصبحت رهينة للنظام السوري..واكد أنان ، أن المبادرة بحاجة الى الضغط الدولي على النظام السوري وإجباره لتنفيذ الخطة المعتمدة من قبل أنان. إلا أن روسيا وبشكل واضح وصريح رفض ما جاء في تقرير أنان بخصوص النظام في دمشق، وشدد في الوقت نفسه على اهمية تطبيق مبادرة أنان ، على انها المبادرة الأنجع للوصول بسوريا الى بر الأمان، وناشدت في ذلك كلا من أوروبا وأمريكا للوقوف مع هذه المبادرة من دون أن تؤشر على اسباب عدم تنفيذه حتى الآن. ففي حقيقة الأمر أن روسيا تتخوف من طرح بديل قد تنصف بالمبادرة من أساسها وتخرج الوضع من سيطرة روسيا . لذلك سارعت روسيا الى انعقاد مؤتمر دولي من أجل دعم مبادرة أنان، وكذلك القاء اللوم على المعارضة على انها هي من تسببت في عدم تنفيذ الخطة لوجود جماعات مسلحة غير شرعية على الأرض.

 إلى حد ما نجحت الدبلوماسية الروسية في لجم القرار الدولي، والذهاب به الى مربع آخر، وهو عملية فتح قنوات الحوار بين النظام والمعارضة. حيث توافقت بريطانيا معها، والى حد بعيد فرنسا أيضاً، وأمريكا لاتمانع من إنعقاد مثل هذا المؤتمر بشرط عدم دعوة ايران الى هكذا مؤتمر في الوقت الذي تدعم فيه إيران دعماً لوجستياً وعسكرياً ومادياً للنظام السوري من أجل قمع المحتجين والمتظاهرين. لكن، وبتسارع مع الزمن، تقدم النظام في ارتكاب للمجازر البشعة ترتقي الى درجة الإبادة الجماعية والتطهير المذهبي، مما يصعب على روسيا أن تمرر هذه المجازر من دون إدانات دولية لمثل هذه المجازر، وخصوصاً مجزرتي الحولة والقيبر، وكذلك العنف المتزايد الذي يخلف العشرات من القتلى يوميا وتهجير المئات وتدمير المنازل على رأس ساكنيها، لتعطينا مشهداً مأساوياً ومؤشراً على أن الحرب الأهلية قد بدأ فعلاً.
 تزامناً مع الحراك الدولي النشط، وتصعيد النظام للعنف المبرمج، تتحرك المعارضات تحت ضغط إقليمي ودولي وجماهيري نحو إيجاد صيغة لتوحيد صفوفها حول برنامج توافقي من المفترض ترضي جميع مكونات الشعب السوري أولاً، وإعطاء الطمأنينة للمجتمع الدولي من خلال تعريف البديل عن النظام بعد ترحيله، وبيان شكل واسس هذا البديل الذي يتظاهر من أجله غالبية الشعب السوري، وهو البديل الديموقراطي التعدي المدني...تتحقق فيها المصالح الدولية والإقليمية من خلال تأمين حقوق كافة المكونات من الشعب السوري دستوريأ،و إعطاء ضمان للسلم الاهلي والاقليمي والدولي. كل ذلك لا يتحقق الا في اطار وحدة المعارضات داخل إطار واحد والتوافق على برنامج متكامل لمستقبل سوريا ضمن مشروع واضح وصريح تتوافق عليه غالبية الشعب السوري وكافة مكوناته العرقية والدينية والمذهبية.
 ومع كل هذا يذهب المراقبون الى ابعد من ذلك. مفاده، إن ما يحصل في سوريا هو صراع طائفي على السلطة، وأن تركيا وإيران طرفي هذا الصراع بشكل واضح وبمشاركة سعودية وقطر. أي أن الصراع الطائفي الذي بدأ في العراق لم يتوقف، ومن خلال الثورة السورية اجتمعت السنة حول الثورة بشكل فاعل ضد النظام العلوي حسب زعمهم في دمشق، لضرب مرتكزات أطماع إيران وتدخلاتها المشبوهة في العديد من الدول من أجل تمرير مصالحها وفرض سيطرتها على مناطق مفصلية من الشرق الاوسط. وهذا ما يصرح به النظام أيضاً( ..أن من حق الشعب السوري أن يتظاهروا للمطالبة بالاصلاحات ..وما الى ذلك من امور مطلبية) إلا أن هناك من ركب على موجة المتظاهرين من أجل الإنقلاب على السلطة بشكل تآمري حسب زعم النظام، وكذلك من حق النظام ملاحقة المسلحين والذين يخلون بامن المواطن، يبرر في ذلك اساليب القمع الذي انتهجه من اليوم الأول من الإحتجاجات. ويتهم كلاً من السعودية والقطر في دعمها للمسلحين في الداخل السوري، وكذلك بدعم امريكي واوروبي..
 
وسط هذا المشهد المرتبك والتراجيدي، تتحرك الدول في صراعاتها على سوريا لما لها من موقع استراتيجي في الشرق الاوسط، حيث تختلف المصالح وفقاً للتقسيمات الجغرافية والديموغرافية في المنطقة لتفرض حالة من الإنقسام في الموقف الدولي والإقليمي. مما يؤكد على أن لا يتوفرهناك من حلول في الوسط، وأن الصراع على سوريا سيؤدي حتماً الى تغيير في التوازن الاقليمي والدولي على حساب مركزية سوريا كدولة إقليمية تتمتع بموقع جيواستراتيجي مهم، من خلال فرض نوع من الوصاية على المعارضة ورموز النظام معاً. وفي ذلك بحجة أن من حق الافليات في سوريا أن تحمي نفسها من الاضطهاد، من خلال التخوف من سيطرة الاخوان المسلمين على السلطة، إذاً يجب أن يسن دستوراً جديداً يشترط فيه مشاركة كل المكونات السورية في النظام بشكل توافقي، وعلى مبدأ الديمقراطية التوافقية كما نرى الآن في لبنان، طبعا وهذا ما تطالب بها كافة المكونات العرقية والدينية والمذهبية في البلاد ما عدا العرب السنة الذين يشكلون الغالبية في البلاد إنطلاقاً من انهم هم الاغلبية وسيحكمون وفق صناديق الإنتخاب، وهذا ما ترفضه المكونات الأخرى بما فيهم الكورد جراء ما أصابهم من الظلم والغبن والتهميش وعدم الإعتراف بوجودهم اصلاً، عدا عن الاضطهادي العنصري الذي لحق بهم منذ تاسيس دولة سوريا، والمشاريع العنصرية التي طبق بحقهم..
إذاً نحن أمام صراع دولي حاد في الوقت الذي تفتقد المعارضة مشروعاً متكاملاً لمستقبل سوريا، والذي من الصعب بمكان أن تتفق عليها كل المعارضات السورية وسط تجاذبات دولية وإقليمية تحول دون تحقيق ذلك المشروع . لكن في نهاية الامر ستتوافر الظروف بعد تصاعد متزايد من العنف والعنف المضاد، والوصول الى نفق مظلم ، عندها ستتوافق كل المكونات على مستقبل سوريا وفقا لمبدأ التوافق فيما بينها من خلال سن دستور جديد يكتسب موافقة جميع السوريين. وبالتالي نرى ولادة جديدة لسوريا.

         أحمـــــــــــد قاســـــــــــــم
   الكاتب السياسي الكردي السوري     15\6\2012
تم النشر في  21,28 15|06|2012








أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر