د.آلان قادر : لماذا نطالب بدولة سوريا الاتحادية؟


د.آلان قادر :


مقدمة
طرح هذا السؤال نفسه  بقوة وإلحاح غير معهودين على الساحة السياسية الكوردية في الفترة الأخيرة وأثار العديد من النقاشات الحامية التي لم تكن واردة في أجندة السواد الأعظم من الساسة الكورد والمهتمين بالشأن الكوردي العام( باستثناء بعض المشاريع التي بقيت في إطار محدود).تعد هذه الظاهرة الجديدة والصحية من وجهة نظرنا إحدى افرازات الثورة السورية المجيدة،المعمدة بدماء الآلاف من الشهداء والمشردين والمعتقلين في زنازين ومعتقلات الطغمة الدكتاتورية.فالثورة الفرنسية  التي اندلعت في العام 1789 على سبيل المثال طرحت شعار: الحرية" و"الإخاء" و"المساواة ،وأصدرت أول وثيقة  عن حقوق الانسان،أما الثورة الأميريكة أو حرب الاستقلال التي بدأت في العام 1763 ضد الاحتلال الانكليزي، وصفت بأنها  ثورة عقائدية دستورية قبل كل شيء، فقد كرست مبدأ الفدرالية  عن طرق اقامة دولة اتحادية كأفضل نموذج لسلطة  ديمقراطية، تعددية مزدهرة وقد أثبتت السنوات اللاحقة بعد انتصار الثورة صحة الخيار وعبقرية فكرة آباء الثورة مثل جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وغيرهم من الرعيل الأول.
دون شك لايجوز تطبيق تجربة شعب ما في دولة أخرى بشكل أوتوماتيكي واستنساخها،فلكل شعب خصائصه القومية والدينية والاجتماعية والتاريخية والجغرافية.وفي الوقت ذاته هذا لايعني رفض الفكرة  جملة وتفصيلا بحجة انها مستوردة ولاتلائم واقعنا.فنحن نعلم جيدا كيف تحولت مستعمرات  انكليزية سابقة كانت مشتتة،انخرطت في حرب أهلية دامية لسنوات طويلة إلى دولة عظمى قوية و مزدهرة لاتقل عن عظمة الامبراطورية الرومانية آنذاك.موضوع الشكل السياسي للدولة السورية المقبلة لفترة مابعد سقوط سلطة نيرون دمشق والقضاء على الموروث السياسي والتركة الثقيلة للبعث العنصري ،هو في غاية الآهمية وعلينا الخوض في هذا الموضوع الذي يتعلق بمصير الملايين من السوريين وتوضيح معالمه،لغاية تعريف  السوريين بهذا النظام السياسي،لاسيما بعد سنوات العجاف والقحط في ظل النظام المركزي بقيادة البعث الذي أعاد سوريا مئات السنين إلى  الوراء.نعلم جيدا ان تطبيق هذا النظام في الشرق الأوسط عموما وسوريا خاصة أمر في غاية الصعوبة ومحفوف بالمخاطر لسببين أساسسين: 1- انعدام الخبرة أو تجربة النظام الفدرالي في المنطقة( ماعدا الإمارات العربية المتحدة)، وهي ظاهرة جديدة نسبيا بالنسبة لشعوب المنطقة وغير معروفة لديها (تم ازالة الكثير من المعلومات والحقائق من ذاكرة السوريين،لاسيما المتعلقة ب دولة الاتحاد السوري في حقبة الانتداب الفرنسي)2- فوبيا الانفصال التي تؤججها الأحزاب العربية الشوفينية والأصولية والتعبئة ضد الأقليات القومية والدينية،بالرغم من انها ليست أقليات،بل شعوب أصلية.
لسنا في وارد إطالة الموضوع وتناوله بشكل مجرد،بل نريد الاستناد إلى مجموعة من الحجج والأسباب التي تؤيد وجهة  نظرنا حول أفضليات النظام الاتحادي  مقارنة مع النظام المركزي.لاسيما أن السوريين  جربوا النظام المركزي لسنوات طويلة وأكتووا بناره، في ظروف دولتهم  المتعددة القوميات.نسعى إلى تبديد مخاوف الشركاء العرب السوريين حول الانفصال الكوردي والتقسيم التي لاتصمد أمام رياح الحقيقة والواقع العملي.وماهذه البالونة سوى بدعة أو هرطقة لإستمرار تسلط قوى الاستعباد والاضطهاد للتحكم في رقاب السوريين تحت ستار المحافظة على وحدة أراضي الوطن،وهم الذين تنازلوا عن أراضيه في صفقات مشبوهة وخيانية.ما  نود قوله أن هذا النظام الذين أثبت صلاحيته وقابلية تطبيقه وتكييفه في العديد من دول العالم يتجاوب  مع مصالح العرب السوريين قبل كل شيء. ولابد من التأكيد على  مزايا النهج الاتحادي (الفيدرالي) دعك من النهج الوحدوي (الاندماجي) ما يتمثل في عنصر التضامن والتساند والتكافل السياسي والاقتصادي بين الأطراف المعنية،ففي دولة متعددة القوميات والطوائف،من الصعب تحقيق التطور المنشود وقيام دولة عصرية دون دولة اتحادية سورية.
دعونا نخرج من عالم التجريد والنظريات الرمادية  إلى مجال التحديد والأمثلة الواقعية من صلب الحياة، كي نوضح للقارئ  وعن طريق جملة ( تجنبت استخدام كلمة حزمة كي لا أتهم أنني من أنصار حزمة اصلاحات بشار الأسد الوهمية).يتطلب البرهان على أية فكرة أو نظرية الإتيان بالدلائل والحجج المنطقية  لاقناع الآخر بصحة وصواب  فكرة أو نظرية ما، وعلى هذا النحو لدينا عدة أسباب وجيه  تدعونا لإثبات أفضلية الشكل الإتحادي للدولة السورية.

1- الأسباب الاقتصادية.
كل انسان  على وجه البسيطة يسعى إلى الرفاهية وحياة كريمة تؤمن له مستوى معينا من المعيشة. وبما أن لغة المصالح هي الأولى بالاهتمام ليس بين الدول فحسب،بل الأفراد أيضا،نجد أن التجارب الاتحادية الناجحة في العالم،لم تقم على أساس شعارات زاعقة ولا مهرجانات حافلة بالحماس أو أهازيج الطبل والزمر ولا طرحت أجندات فورية تلهب مشاعر الجماهير وتعد الناس بالأمنيات المزوقة العِذاب،بل قدمت فوائد ملموسة على الصعيد الاقتصادي،ترى بالعين المجردة وتنعكس على محفظة نقود المواطنين، مقادير الأغذية الموجودة في الثلاجة كما ونوعا أو نوعية التعليم ومستواه، الذي يتلقاه المواطنون وقدرة السوق المحلية على استيعاب خريجي المعاهد والجامعات وتأمين فرص العمل لهم،توفر المياه الساخنة في المنزل على مدار السنة وغيرها من أسباب الراحة التي يعتبرها مواطني الدولة الاتحادية أمور روتينية وعادية،بينما تبدو للمواطن السوري من الكماليات وحلم يصعب تحقيقه .
فالمعطيات الاقتصادية تقول أن هناك نسبة كبيرة جدا من السوريين يعيشون تحت خط الفقر تتجاوز نسبة ال 35% ،من جراء سوء التخطيط الاقتصادي و الفساد الإداري و إقامة مشاريع فاشلة وغير مربحة، لاسيما في القطاع العام وفي كافة المجالات،حيث تعشعش فيها المافيا والسرقات والمحسوبية واقتصاد الظل والهدر بلا حدود في جمهورية ألبعث الوراثية. تضخمت بعض المدن الكبيرة سكانيا  مثل دمشق وحلب،بسبب الهجرة الكثيفة سواء من الريف أو المدن الأخرى لإنعدام  أو ندرة فرص العمل والتعليم المناسب والرعاية الصحية وغيرها من متطلبات الحياة. الكورد بملايينهم الأربعة يعيشون في أغنى منطقة من سورية،حيث الغاز والنفط والمياه والأراضي الزراعية الخصبة ولكنهم وحسب الاحصائيات الرسمية  من أكثر سكان سوريا فقرا.يمكننا القول ودون مبالغة أن السواد الأعظم من الكورد يعيشون تحت خط الفقر من جراء الخطط والممارسات الشوفينية والعنصرية للحكومات السورية المتعاقبة منذ الاستقلال وحتى الان.فالنفط والغاز يتم استخراجهما من الأرض الكوردية بينما معامل التكرير  هي في حمص وبانياس،أي أن المنطقة الكوردية هي مجرد تابع للجزء العربي من سوريا وسوق للمواد الخام أو البقرة الحلوب وليس أكثر. في الدولة الانحادية سوف تتطور الأقاليم  السورية وخاصة العربية بسرعة هائلة للأسباب التالية:
أ-توفر المواد الخام والأيدي العاملة والكفاءات في شتى المجالات.
ب-وضع الخطط الاقتصادية والتنموية من قبل  حكومات الأقليم وبالتنسيق مع السلطة الاتحادية،انطلاقا من احتياجات سكان الاقليم وفي سياق عملية التكامل الاقتصادي على مستوى الاتحاد.
ت- استغلال ثروات الاقليم بشكل فعال، العمل على تطوير القطاع الصناعي وتشجيع الاستثمارات  في شتى المجالات  للحيلولة دون بقاء بعض الأقاليم مجرد توابع ريفية للمراكز الصناعية.تأمين التطور المتوازي لكافة الأقاليم التي من شأنها رفع المستوى المعيشي للمواطنين في فترة زمنية قصيرة. فالثروات الطبيعية الموجودة في جوف أراضي جمهورية النمسا الاتحادية لاتعادل 10% من مثيلاتها في سوريا،وفي الوقت ذاته نجد أن جمهورية النمسا  الاتحادية  من الدول العشرة الأوائل من حيث الغنى ومستى المعيشة،بينما سورية دولة فقيرة  من حيث  تأمين المتطلبات الأساسية للأ نسان ومتخلفة من كافة النواحي.
ث- وضع ميزانية الاقليم اعتمادا على الإمكانيات الاقتصادية المحلية والاستغلال الأمثل للثروات والطاقات ولاسيما الموارد البشرية،وتخليصها من نزوات وتحكم بيروقراطية المركز التي أظهرت عدم كفاءتها.
يمكن تلخيصها مزايا النظام الاتحادي في المجال الاقتصادي  بما يلي:
1-تكون هناك صلاحيات واسعة للأقاليم خاصة في المجال الاقتصادي والإداري.
2-هناك سرعة في اتخاذ القرارات في الأقاليم وقليل من البيروقراطية  
3-تقلل من هيمنة المركز ولاتسمح له باتباع سياسة اقتصادية مناطقية أو محلية على  حساب أقاليم أخرى.
4-توزيع الثروات يكون أكثر عدلاً.
مثال: يطلقون هنا في النمسا الاتحادية على مدينة لينز التي أسكن فيها وهي عاصمة النمسا العليا: عاصمة صناعة الفولاذ،بسبب تمركز أكبر مصانع الفولاذ والحديد اطلاقا على مستوى النمسا ونعني بها: فوست ألبينه، التي تؤمن فرص العمل لعشرات الألاف من الأشخاص وتصدر منتوجاتها إلى العديد من دول العالم ومشهورة بجودتها.تتمتع الأقاليم في الدولة الانحادية  بصلاحيات وضع الكثير من الخطط الاقتصادية وفقا لاحتياجات السكان والظروف المحلية ودون تدخل المركز، فالازدهار الاقتصادي في سويسرا والنمسا وألمانيا وكندا وأمريكا  وغيرها من الدول الاتحادية خير دليل على ذلك.ان الطابع الاتحادي الخلاق والديمقراطي للإتحاد الأمريكي،فضلا عن أسباب أخرى عديدة ساهمت في تحويل أمريكا إلى دولة عظمى وعملاقة.فالنموذج الاتحادي للدولة الألمانية حولت ليس فقط بون أو برلين الى مراكز صناعية ومالية،بل هناك شتوتغارت،هامبورغ،ميونيخ،فرانكفورت،دورتموند،كولن،إيسن  وغيرها،بينما في سوريا المركزية  نجد دمشق وحلب فقط .
2-الأسباب القانونية
تتأسس الأنظمة الاتحادية على فكرة دولة القانون والالتزام بمبدأ احترام حقوق الانسان،لأن „division of power“ أو تقاسم السلطة ترتكزعلى الحماية الدستورية لحقوق الفرد وحرياته الأساسية في المجتمع  من جهة، إزاء أهل الحكم  ضمن الدولة الواحدة من جهة أخرى.ان معايير كوبنهاغن بالنسبة للدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوربي تشجع هذه الفكرة بالذات،شأنها في ذلك شأن النظام الفدرالي. ومن هنا أهمية الدستور  الذي يسمو فوق الجميع ويلعب دور المراقب والمحاسب في الوقت ذاته.تتنازل الدولة الانحادية  او الفيدرالية عن جزء من صلاحياتها للأقاليم في المجالات التشريعية والادارية  مما ينعكس ايجابيا على  حياة السكان من كافة النواحي وتسهيل أوضاعهم المعاشية والادارية. ويأتي تقسيم السلطات في النظام  الانحادي وفق  الدستور  بين حكومة مركزية وتلك الأقاليم الداخلة في الاتحاد بناء على عقد مكتوب بينهم. وجدير بالذكر أن لكل  اقليم نظامه الأساسي الذي يحدد سلطاته التشريعية والتنفيذيه والقضائية( برلمان،حكومة محلية، سلطة قضائية)فالنظام التشريعي في الأنظمة الاتحادية هي أكثر ديناميكية وقدرة على مواكبة التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية،المستقلة عن المركز في اتخاذ القوانين والمراسيم التشريعية التي تنطلق من احتياجات سكان الاقليم وليس المركز وفي الوقت ذاته لاتتعارض مع القانون الاساسي أي دستور الاتحاد.فعلى سبيل المثال: من صلاحيات الحكومة المحلية في الآقاليم النمساوية جلب  أكبر عدد ممكن من رؤوس  الآموال والاستثمارات الأجنبية والنمساوية بصورة مستقلة عن الحكومة الاتحادية عن طريق اصدار تشريعات وقوانين خاصة بالاقليم وليس بالضرورة الرجوع إلى الحكومة الاتحادية،متجاوزة بذلك العديد من العقبات البيروقراطية.ماعدا ذلك لديها صلاحيات واسعة جدا في مجال اصدار التشريعات والقوانين الضريبية وغيرها.فلو كانت سورية دولة اتحادية هل كان ممكنا اصدار قوانين عنصرية ضد الشعب الكوردي؟ مثل: الحزام  العربي (إقامة أكثر من 54 مستعمرة بعد طرد الفلاحين الكورد)،الاحصاء الجائر ومنع اللغة الكوردية،منع التوظيف وطرد الكوادر الكوردية وفصل الطلبة والتلاميذ. وغيرها من القوانين الفاشية التي تعرقل  تطور المجتمع السوري. فلو كانت سورية دولة اتحادية ديمقراطية،هل كان من الممكن تفصيل الدستور وتغييره حسب مقاس الدكتاتور الأرعن بشار الأسد؟؟ دون شك لا.
 سوف أضرب مثالا  على كيفية الاستفادة القصوى ولمصلحة المواطن بالدرجة الأولى  من النظام الاتحادي-الديمقراطي لغاية تجاوز عملية تربية القطط السمان والكروش البيروقراطية في دوائر الدولة:  طوال فترة اقامتي في النمسا ،أي 22 سنة تماما احتجت مرة واحدة فقط للذهاب إلى العاصمة  فيينا،للحصول على شهادة الميلاد التي لم أحصل عليها في سوريا ولأسباب يدركها القارئ.طبعا كان بوسعي الحصول عليها عن طريق البريد أيضا،ولكنني  لكسب الوقت والضرورة القصوى، قررت السفر  إلى هناك بنفسي. ولكن هذا لايعني أن كافة مواطني النمسا  يحصلون على شهادات الميلاد في  فيينا،بل فقط  أن الأشخاص الأجانب  الذين استقروا في النمسا أوحصلوا على جنسيتها، عليهم استخراج شهادات ميلاد نمساوية المنشأ.  فالنظام الاتحادي الديمقراطي في النمسا وفر علي الكثير من النقود والوقت ومشقة السفرالى العاصمة،لأنني أحصل على كل مايلزمني في عاصمة الاقليم ،مدينة لينز.وفي الوقت نفسه لم أسمع يوما ما أن اقليم تيرول أو بورغنلاند  يريدان الانفصال عن الاتحاد النمساوي لهذا السبب أو ذاك،فليست هناك مبررات أبدا،طالما كافة الأقاليم متساوية والجميع يعيشون في حرية و رخاء،دون تفرقة أو عنصرية.
تصوروا معي هذا السيناريو: لنفرض جدلا أن سوريا دولة اتحادية مؤلفة من عدة أقاليم، ودولة قانون بكل معنى الكلمة،هناك دستوري اتحادي،فضلا عن دستور لكل اقليم مع برلمان وحكومة اقليمية منتخبة عن طريق انتخابات حرة،ديمقراطية، يقرر بشار الأسد اعلان الحرب على  اقليم أو أكثر ( كما هو عليه الحال الآن في حربه المشؤومة ضد الشعب السوري بأسره)، يرسل أوامره إلى حكومات تلك الأقاليم لتجهيز جيش وعتاد  استعدادا للحرب ضد حماة الوالاقليم الكوردي لآنهم حطموا أصنام والده، ولكن  ليس من صلاحيات تلك الحكومات وحسب الدستور الاشتراك في هذه المغامرة الخطيرة دون العودة إلى البرلمان وأخذ موافقته.يجتمع البرلمان في دورة طارئة لبحث طلب الطاغية بشار الذي يقرع طبول الحرب، يتم مناقشة الطلب  وبعد سجال  ونقاش  ساخن  يتم التصويت عليه وفي النتيجة يرفض الطلب بأغلبية الأصوات أو بنسبة 50 زائد واحد.ينزعج بشار،يرغد ويزبد مطالبا عرض طلبه على مجلس الاتحاد ولكن ظهر في  هذه الجلسة تحالف عدة أقاليم وتقرر استخدام حق الفيتو الوارد في الدستور الاتحادي ضد طلب بشار وبالتالي يتم رفضه واسقاطه.
ما أريد قوله أن الشكل الاتحادي للدولة السورية القائم على ضمانات دستورية واضحة هو صمام أمان ضد ظهور طغاة جدد من شاكلة بشار الأسد أو متهورين ومغامرين  من امثال القذافي أو صدام، أو وكلاء الله على الأرض، يتاجرون بالشعارات الثورية  وعلى حساب مآسي الملايين من السوريين.

3-الأسباب السياسية
تمتع السوريون لفترة قصيرة فقط بالحياة النيابية وحياة ديمقراطية نسبية بعد الاستقلال وكان هذا بفضل تجربة الفرنسيين الديمقراطية،ومنذ اغتصاب السلطة من قبل البعث تم اقصاء الشعب في تقرير مصير البلاد،تزوير ارادته عن طريق مسرحيات انتخابية مفضوحة،مما فسح المجال لهواة المغامرات والانقلابات العسكرية بالسيطرة على  السلطة السياسية،تحويل البلاد إلى مزرعة أو شركة خاصة. ففي الوقت الذي عمد فيه  الحكام في سورية إلى تغييب غالبية العرب السوريين من المشاركة في رسم سياسة البلاد وتقرير مصير العباد ماعدا مجموعة ضيقة وصغيرة من أصحاب المنافع والمصالح والانتهازيين،جرى اقصاء كلي للشعب الكوردي وحشره في زاوية النسيان والغاء دوره بشكل مطلق.أي أن الكورد عمليا موجودين ككتلة بشرية على أرضهم ولكنهم محرومون من المشاركة في إدارة البلاد،مورس بحقهم أكثر السياسات عنصرية،وبوجه خاص تدمير البنية التحتية للمجتمع الكوردي،وصولا إلى تفكيكه وصهره بشكل نهائي.فالمادة 83 من دستور البعث( وفي الحقيقة هذا ليس دستور بالمعنى الحقوقي،بل نشرة داخلية حزبية) تنص على أن يكون  المرشح لرئاسة الجمهورية عربيا سوريا أتم الرابعة والثلاثين من عمره... وإلخ. أي أن الكورد والسريان  والأرمن و الآشوريين والقوميات الأخرى لايحق لها الترشيح لرئاسة الجمهورية،والسؤال هو:هل هذه القوميات من أهل الذمة؟ أولاد الجواري؟ أم مواطنون من الدرجة الثانية؟وفي كافة الأحوال هذه عنصرية بغيضة وخرق مطلق لحقوق الانسان، فليست هناك في سورية أو أي بلد آخر قوميات من الدرجة الأولى والثانية،لأن الناس جميعا   يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء،كما تنص المادة الأولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان..
ففي الدولة الاتحادية-الديمقراطية يتمتع المواطنون بمزايا  هذا النظام بشكل مزدوج:  أولا: عندما يشاركون في انتخاب المرشحين للبرلمان المحلي الذين يدافعون عن مصالحهم مباشرة،أي انهم يقررون مصيرهم بواسطة صناديق الاقتراع على أرض اقليمهم. فهم يراقبون نشاط نوابهم في البرلمان المحلي وأعضاء الحكومة، دون عوائق أو تعقيدات بيروقراطية أو قانونية،بل أن نواب البرلمان الاقليمي هم يعملون على بناء جسور الاتصال مع ناخبيهم بصورة متواصلة والاستماع إلى أرائهم واستقبال اقتراحاتهم وطلباتهم . ثانيا- انتخاب النواب  الى  البرلمان الاتحادي،الذين يمثلون اقليمهم في  هذا البرلمان الأكبر  وذات صلاحيات أوسع،حيث تلتقي مصالح  أقاليم مختلفة متقاربة و أحيانا تكون متناقضة ومحل نزاع لهذا السبب أو ذاك.وهناك ميزة جدا مهمة في النظام الانحادي:  يمكن في التغلب على الصعوبات وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية  في النظام الاتحادي بصورة أفضل وأسرع من النظام المركزي،هنا لاتوجد أقاليم نائية أو منسية.
يساهم النظام الانحادي على تقارب القوميات وخلق دولة قوية ومستقرة ومزدهرة على الاطلاق. والمثال التالي من الاتحاد السويسري خير دليل على ذلك: هناك أربعة ثقافات  تتعايش وتتفاعل مع بعضها البعض في أجواء السلم والديمقراطية والصداقة والتفاهم منذ مئات السنين: 1- الفرنسية 2- الألمانية 3- الايطالية 4- الرومانشية.
دون شك يمكن الاستناد إلى أسباب  اجتماعية وثقافية أيضا لتبيان مزايا وأفضليات النظام الاتحادي ،بيد أننا نكتفي بهذاالقدر والقارئ اللبيب بفطنته ومداركه العقلية يمكنه الحكم على النظامين ،سلبياتهما وإيجابياتهما لاستخلاص الدروس و النتائج المنطقية.وصدق المثل العربي القائل: في الاتحاد قوة،وهذا ما تعنيه كلمة الفدرالية بالضبط. طبعا الاتحاد ليس على طريقة البعث والقذافي، بهدف المتاجرة والديماغوجية السياسية، وتكريس  هيمنة فئة أو جماعة ما،بل من أجل الانسان ورفاهيته وحريته،فالانسان هو هدف الوجود وليس  عبادة  الزعماء أو تأليه الآشخاص.

د.آلان قادر حقوقي ،متخصص في القانون الدولي العام، رئيس الجمعية الكوردية للدفاع عن حقوق الانسان في النمسا

أيلول 2011


 

تم إعادة النشر في 12,02 18|06|2012
المقالة الأصلية هنا







أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر