أحمـــــــــــد قاســـــــــــــم :
كل شيء كان مسموحاً للسوريين إلا الحرية. هكذا كانت سوريا، وعندما رفض الشعب ذلك، واجه الموت بشراسة ممنهجة. ومنذ اربعة عشر شهراً يذبح السوريون لأنهم أرادوا أن يعيشوا حراً،
اندلعت هذه الثورة على يد شبان وشابات الذين أبوا أن ينذلوا على ايدي هذا النظام الطاغي على كل شيء.ً ليس لأن النظام اعتقل اطفال درعاة وأشواههم تحت التعذيب، بل لأن الشعب السوري بأكمله كان معتقلاً ويشوى في جحيم هذا النظام المستبد الفاشستي المجرم. نظام كان لايعرغ الا أن يذوق شعبه المهانة والمذلة. نظام انتهج سياسة إذلال شعب بأكمله وتدجينه في جمهورية الرعب والخوف. وآن الأوان أن يخرجوا الجيل من الشباب ليقولوا: لا لجمهورية الرعب والخوف والإذلال، نعم للحرية والكرامة والعيش الكريم. لا لنظام مافيوي عصاباتي ، نعم لنظام ديمقراطي تعددي، تسود فيها العدالة والمساواة، لافرق بين الأثنيات والأديان، خالي من الأقلية والأكثرية بين مكونات هذا الشعب الأبي، لكل واجباتها، وللكل حقوقهم وفق شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية..
تحت هذه الرؤى اندلعت ثورة الحرية والكرامة. وبعنفوان الحب للحياة استرخص الدماء في مواجهة آلة القمع التي استعملها النظام بشراسة وبمنهجية ضد الثائرين السلميين، ليسقط العشرات من الشهداء يومياً من دون أن يذوقوا الخوف. كلما ازداد عدد الشهداء ازداد اصرار الثائرين المضي قدماً في ثورتهم إلى أن يأتي أجل الحاكم ليتحرر المحكوم. لقد انهزم جمهورية الخوف أمام شجاعة الثائرين، وأنهزم النظام في معنوياته أمام أمواج المتظاهرين في كل بقعة من بقاع سوريا طوال اربعة عشر شهراً من دون توقف ولا تردد ولا تراجع. واليوم هي أكثر وهجاً تنير مساحات سوريا بأكملها، لتزرع وتزدهر أملاً مشرقاً لمستقبل هذا البلد الجميل، والذي نجسها وأفسدها نجاسة النظام وفساده. ليعود البلد الى حلته وجماله كما كان وكما يجب أن يكون. وبهذه الإرادة الامتناهية تتقدم الثورة لتنجز نجاحاتها.
تشكلت المعارضات مع استمرارية الثور. وتحركت كل الأنفس، كل حسب ما يجول في خاطره. منهم من لبوا نداء الثوار لينظموا أنفسهم في إطار عمل سياسي، ومنهم من أرادوا ويريدون إنتهاز فرصتهم ليركبوا الموجة من أجل تحقيق مصالح شخصية بحتة، ومنهم من اقتحم الحراك لتنفيذ أجندات دولية وأقليمية ناهيك عن أجندات النظام التي تتحرك بين هذه المعارضات بأنشطة مختلفة. تشكلت هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي على الف علَة، وكذلك المجلس الوطني السوري مهيمناً عليه ألف جهة وواجهة دولية وأقليمية، بالإضافة الى المجلس الوطني الكردي الذي يعاني هو الآخر من أمراض أصاب مكوناته خلال خمسين سنة من النضالات المتواصلة، وتعرض هذه المكونات الى شتى صنوف التهميش والملاحقة والإعتقالات والتشرزم والتشتت فيما بينها، حيث تجتر هذه الأمراض ، لا يعرف طريق الخلاص والعودة الى العافية التي نحن بأمس الحاجة اليها. الى جانب تنظيمات وتنسيقيات وأحزاب عديدة خارج هذه الأطر الثلاث تتحرك كل حسب رؤياه أو وفق ما تريد أطرافاً من وراء استر مظلمة. لنرى المعارضات على هذه الشاكلة التي تعجز ان تمثل إرادة الثورة أو أن تنجز وحدتها تنفيذاً لأجندات وطنية سورية، بعيدة عن تضارب المصالح التي باتت تشكل عبئاً على مستقبل الثورة وأهدافها.
منذ اربعة عشر شهراً، الشعب السوري يذبح، والثورة مستمرة، والمعارضات تتحرك وسط عجز دولي لإتخاذ قرار يقف العنف في سوريا. حيث يتشتت القرار، تتسع رقعة الثورة. وحيث تفشل المعارضات المفترضة، تتشكل قيادات شابة من داخل الحراك الثوري، لتقول فليسقط النظام ولتسقط تلك المعارضات التي لا تستطيع تمثيل إرادة الثائرين. معارضات تجتر نفسها وتعلك مضغ الآخرين، وفي الوقت نفسه تضع المجتمع الدولي أمام خيارات صعبة، تعجز عن دعم الثورة والشعب السوري كما يجب وكما تملي عليه الواجب الإنساني والأخلاقي، في غياب معارضة سياسية حقيقية ترضي جميع مكونات الشعب السوري وفق برنامج واستراتيجية واضحة تحت يافطة( من سيحكم سوريا بعد إسقاط النظام) .
بعد كل هذه المأساة التي جرت وتجري وستجري في سوريا، هناك سؤال مشروع ومطروح على الساحة الدولية والإقليمية، وعلى مستوى الداخل السوري وبشكل ملح: من سيخلف النظام السوري؟ وما هو مشروعه السياسي. سئم الناس من الشعارات، ولا يقبل المجتمع الدولي هذه الضبابية المفروضة على المشهد السوري. وأن ما اقدم اليه المجتمع الدولي والجامعة الدول العربية، إلى جانب العقوبات التي تنفذ من قبل أمريكا واوروبا والعديد من الدول العربية والإقليمية، كل ذلك لا تجدي نفعاً مع هذا النظام، لأنه يملك ما يكفيه من آلات القمع والقتل المبرمج وإرتكاب المجازر وعلى مرئى من عيون المراقبين الدوليين. وأن ما تسمى بخطة كوفي أنان ليست إلا فرصة للمزيد من قتل الشعب السوري، ونتيجة لعجز المجتمع الأممي من إتخاذ قرار حاسم لعدم وجود رؤية واضحة لمستقبل سوريا، ومن سيحكم سوريا.
أعتقد أن المشهد سيتبلور في الأشهر القادمة حينما تتسنى للثورة فرصة تشكيل قيادتها السياسية، وتسحب الشرعية من هذه المعارضات المفترضة، عندها ستركب الثورة طريقها الى الإنتصار، وتفتح الآفاق أمام المجتمع الدولي لتأخذ قرارها المؤجل وتسقط النظام لامحال.
أحمـــــــــــد قاســـــــــــــم
الكاتب والسياسي الكردي السوري 18\5\2012
تم النشر في 12,21 18|05|2012





