أحمــــــــد قاســـــــــم : المشهد السوري والحراك الدولي في ظل غياب أفق للحل

 أحمــــــــد قاســـــــــم :

 يبدو أن المشهد السوري بات اكثر تعقيداً في ظل إرتباك دولي واضح من خلال تعاطيها مع الأزمة السورية التي باتت أكثر عرضة للإبتزاز الدولي والإقليمي. لورجعنا قليلاً الى الوراء، لرأينا المشهد
  مغايراً كلياً عن ما نراه اليوم. حيث كان الحراك أكثر جدية من قبل المجتمع الدولي والعربي والإقليمي على حد سواء. وطرح العديد من المبادرات لوقف العنف من قبل النظام الذي أختار وسيلة لإنهاء الثورة منذ اربعة عشر شهراً. فكانت من أولى المبادرات، هي المبادرة العربية، ولحقتها ميثاق تعهد وقعت من قبل النظام لوقف العنف. عندها كانت الثورة سلمية مائة بالمائة. لكن النظام لم يلتزم بالميثاق الملحق بالمبادرة، فكان العنف أكثر دموية، وأشد قمعاً ضد المحتجين والمتظاهرين السلميين. حيث بدأت أجهزة النظام الأمنية وبمساندة الجيش السوري وعصاباته المسلحة، المسمى بالشبيحة، بالإنتشار الواسع ليشمل كل المدن والبلدات في سوريا، ولتزيد من قتل المتظاهرين وإعتقالهم التعسفي لينالوا أشد انواع التعذيب الممنهج في داخل المعتقلات الأمنية، وتهجبر العشرات الآلاف من المواطنين جراء القصف العشوائي للعدين من الأحياء في العديد من المدن السورية وعلى مرئى من عيون مراقبين عرب الذين أتوا إلى داخل سوريا للوقوف على تنفيذ بنود المبادرة العربية. وإثر إحالة الملف الى مجلس الأمن لمناقشته واتخاذ قرارات مناسبة من أجل وقف العنف المتزايد والمتصاعد من قبل النظام، إلا أن ذلك واجه الرفض المزدوج من قبل الروس والصين في استعمالهما حق النقض الفيتو ضد أي قرار يدين النظام والزامه على وقف العنف وسحب الجيوش من المدن السورية و الخضوع لإرادة الشعب المنتفض.
 بالتوازي مع العجز الدولي والإنقسام الواضح بين مجلس الأمن الدولي، وكذلك جامعة الدول العربية، تتهرول المعارضات السورية في دائرة مفرغة، تعجز الخروج منها، ولا تستطيع لملمة نفسها في إطار واحد لتمثل الشعب السوري من خلال طرح برنامج سياسي واضح، تطمئن الشعب السوري بكافة مكوناته، وكذلك المجتمع الدولي. ويبدو أن المشهد داخل اروقة الدول النافذة في مجلس الأمن يتحول الى فرض تسوية سياسية على النظام والمعارضة على حد سواء، في الوقت الذي عجزت المعارضات عن توحيد صفوفها وطرح مشروع سياسي واضح لمستقبل سوريا، لبيان من سيحكم سوريا بعد السقوط، وكذلك عجز الثورة من إسقاط النظام بالشكل السلمي، ومن دون تدخل عسكري دولي، وفي ذات الوقت عجز النظام عن انهاء الثورة وإعادة الأمن والإستقرار الى سوريا. لذلك نرى اليوم وكأن المجتمع الدولي يبحث عن حل سلمي للأزمة السورية من خلال فتح حوار بين المعارضات والنظام للوصول إلى تسوية سياسية وإنهاء الأزمة بطرق سلمية. وأن خطة كوفي أنان المعتمدة أصلاً على المبادرة العربية وبدعم دولي، ليست إلا وسيلة من وسائل تدجين الثورة والمعارضة من خلال عمل المراقبين الدوليين وتخفيف حالة العنف من دون توقيفه، والوصول الى حالة قبول الحوار من قبل جميع الأطراف المتنازعة، ولو يبدو أن ذلك صعب المنال.
 أعتقد إننا الآن في مرحلة جديدة من مراحل اللعبة الدولية لإستثمار الثورة السورية وإبتزاز المعارضات في حالة ضعفها التي باتت تحت مرمى مصالح الدول النافذة، وباتت أكثر عرضة للتشرزم تخضع لشروط الإستثمار السياسي وتصفية حسابات دولية وإقليمية والتي لاحصر لها على أرض سوريا، لأهميتها الجيوبولوتيكي، والتي تلقي بظلالها على المنطقة بأسرها وتعكس كل تطور قد يحصل هنا وهناك، لتكون هي المفتاح لحل الأزمات الناتجة عن الصراع العربي الإسرائيلي، اي أن سوريا باتت البوابة المفتوحة على كل الإحتمالات للدخول في حل المنازعات أو تعقيدها وفقاً لما ستحصل على أرض سوريا من تطورات سياسية وأمنية. وأن الرهان على أن المعارضة ستقبل الحوار، في الوقت الذي لا تستطيع المعارضات بكافة أطرها أن تمثل إرادة الثورة، وغياب القرار الدولي لوقف العنف، سيكون رهاناً رومانسياً لدى المجتمع الدولي، وقد نرى تردياً امنياً أكثر شدة وعنفاً قد تطيح بسوريا الى آفاق أكثر تعقيداً وأكثر دموية، في حال دخول الطرف الثالث على خط الأزمة كما يتكهنها البعض، وخصوصاً منظمات القاعدة التي لم تنقطع إتصالاتها مع النظام في دمشق، وقد تدخل بالتوافق والتنسيق مع النظام، وخصوصاً أن النظام أشار اليها في بداية الثورة قبل أن ينشق الجيش، لنرى طرفين مسلحين على الساحة السورية، القوات المتعددة الأطر التابعة للنظام وقوات الجيش الحر التي انشقت وتنشق يومياً عن الجيش السوري. والمؤسف أن يدخل الطرف الثالث على خط الصراع ليدخل الحابل بالنابل ويتعقد الوضع أكثر خطورة، عندها تفوت كل الفرص علىأي حل سلمي. وسيكون الحروب الطاحنة سيد الموقف.
         أحمــــــــد قاســـــــــم
    الكاتب والسياسي الكردي السوري     19\5\2012



تم النشر في  18,57 19|05|2012





أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر