دليار آمد :
لست من متابعي الدراما التركية , بل واعتبر نفسي من مناهضيها أيضا , ولكنني في فترة من فترات حياتي – وبالتحديد في فترة الطفولة وجزءا من مراهقتي - كنت متابعا وبكثب للسينما التركية , وكنا
فالشخصية التركية هي شخصية تائهة بين الطربوش الإسلامي وبين القبعة الأوربية وهذا ما أكسبها التناقض في سياستها الداخلية والخارجية وأفقدها لمصداقيها المحلية والإقليمية وكذلك الدولية, ولعل الثورة السورية هي أحدث الأمثلة عن هذه الشخصية المهزوزة المتسلقة لتركيا , وقبلها كانت الثورة الليبية , ورأينا كيف أن النظام التركي تحول من أشد المعارضين للتدخل الخارجي في ليبيا بحجج واهية إلى أشد الداعمين والمشاركين في التدخل الخارجي, حيث يبقى موقفها رهينا بالتغييرات والتجاذبات الإقليمية والدولية , وتتحين اللحظة ما قبل الأخيرة والتي تكون قد حسمت فيها طرفي المعركة بين منتصر ومهزوم كي نرى الموقف التركي وإذا به يصبح جليا , ولتقوم بقطف ثمار غيرها , تلك الثمار التي رويت بدماء آلاف الأبرياء والأحرار , حيث رأينا اردوغان علمدار ووزير خارجيته احمد اوغلو علمدار يجولون على دول الربيع العربي مباركين لهم ربيعهم , ذلك الربيع الذي حاول الأتراك منعه في البداية. وكما يبدو بأن الخطة والسياسة التركية التي يمكن وصفها باللاأخلاقية قد نجحت في ليبيا , ولكن لا أتوقع لها النجاح في الثورة السورية وذلك لعدة أسباب منها :
- إن الشعب السوري أكثر وعيا وخبرة بالسياسة التركية بحكم التاريخ والجغرافية .
- تجربة تسليم المقدم الهرموش للسلطات في سوريا .
- مساومتهم أطراف المعارضة السورية على الورقة الكوردية .
- محاولة بث التفرقة والنزاعات العرقية بين أطراف المعارضة وذلك من خلال تقديم الدعم لبعض الأطراف ومحاربة أطراف أخرى .
- عدم إيفائها بعشرات الوعود التي وعدت بها المعارضة من خلال قطع علاقاتها بالنظام السوري .
- التزامها الصمت في أكثر أوقات الثورة .
- عدم الاهتمام الكافي باللاجئين السوريين لديها , والمقدر عددهم بأكثر من 15 ألفا .
ولابد بأننا جميعا نتذكر الفورة التركية في بداية الثورة السورية قبل قرابة السنة من الآن , وحيث حينها لم يتكلم أحد غيرهم , وتفائلنا جميعا بهم – على غير عادتنا بالطبع – وتخيلنا ولو لأيام بأن حل المعضلة السورية ستكون على يد الأتراك , وعاتبنا جميعا العرب والغرب لتأخرهم وغموض موقفهم آنذاك وطالبناهم بأخذ يد الأتراك والمساهمة معهم في إيجاد مخرج وحل عاجل , وحيث حينها كان عدد الشهداء معدودا , وبعد جولة الصخب التركي تلك – والتي يمكن وصفها في علم السياسة بالجعجعة - جاءتنا جولات من الصمت التركي المريب المخيف المخيب لآمال ملايين السوريين , وأصبحنا نشم رائحة طبخة تركية من تحت رماد السوريين , وقطع الشك باليقين عند تسليم المقدم حسين الهرموش , حيث تناقلت تقارير صحفية حينها بأن النظام التركي قد قبض ثمنا لصمته ولتسليمه الهرموش وكان الثمن سبعة من قيادات حزب العمال الكوردستاني في مقايضة لا إنسانية لا أخلاقية .
والآن وبعد أن أخذت الثورة السورية منحى أخر , منحى قريب من التجربة الليبية – وهذا ما لا أتمناه على الصعيد الشخصي – فنرى الموقف التركي وقد أخذ بالتصاعد مجددا بعد أن كان الفتور أساسه , وكما عادتها تركيا في الصيد بالمياه العكرة , وبعد اقتراح فرنسي وبعد إجماع عربي على تشكيل مجموعة أصدقاء سوريا , سنرى بأن الأتراك سيقومون بتسويق أنفسهم كعرابين لهذه المجموعة , وذلك لإدراكها بأن هذه الجولة قد تكون الأخيرة أو ما قبل الأخيرة في سوريا .
إذا هذه هي تركيا , وهذه هي سياساتها , ولكن سياساتها أصبحت فاضحة فاضحة , ولا أعتقد بأن المعارضة السورية بمجملها هي على درجة من الغباء كي لا تلاحظ كل هذه الألاعيب التركية التي لا يمكن أن تمر على الشعب السوري البطل وإن مرت على بعض من أطياف المعارضة .
Facebook: dilyar amed
14 – 2 - 2012






