جاويدان كمال : مسرحية الدم والحرية

جاويدان كمال :

(مَشَاهِد..)
(الزمان: غير محدد، كي لا تتذكر الأجيال القادمة هذه الأيام السوداء في تاريخ البشرية ،إذ تخلى العالم بأسره عن شعبٍ مسالمٍ ،جبّار، بذل الغالي والنفيس في سبيل نيل حريته .
المكان: وطن جميل حكمته قوى الظلام فعاثت فيه ظلماً و فسادا حتى أمسى سجناً كبيرًا لكل قاطنيه، لا شمس تشرق فيه ولا رياح تهب إلا بإذنٍ من ملك الغابة أو أحد أزلامه أو أيًّا كان من قطعان ضباعه...
الأجواء: هدوء يسبق العاصفة، يثور بركان الشعب الخامد، تنهش قطعان الضباع أجسادَهم، فتتوالى المشاهد والمآسي وتنهال عليهم الويلات.
 مشاهدٌ يهتزُ لها الوجدان وتقشعر لها الأبدان، لو تأملتها لحظةً واحدةً لتَمنيتَ حتماً لوأنك كنت من طينة هذا الشعب، ولكَرِهتَ وجودك وانتماءك لهكذا زمان، فبالكلمات واجهوا الرصاص، وبالضحكات استقبلوا الموت، وبالدماء سقَوا أجمل الأوطان.
........................................................................................................................
-المشهد الأول:
هاوار .. كُردووو:
 (مقطع تمهيدي للمشهد الأول ):
1- مناضلون، قومييون، وطنيون، أشباح ليس لهم في سجلات البشرِ من مناسبات.
2-<<شد الكرفتة ...قصدي شد همتك ؛
واقطع...قصدي امسك أيد أخوك؛
واكسر....ههي علينا قصدي شد ظهر صديقك ؛
وغمض عينك... لك كمان غلط ،قصدي: وتطلع  للمستقبل>> (انتهى المقطع).
...............
ها كيف المستقبل؟؟؟؟؟ خبرني يللا !!
- واضحة ابو الآر .... فهمناها قصدك أنو مستقبلنا مرتهن برص صفوفنا؛ وهات الحلوان؟؟؟
- يخرب  بيتك أبو الآر..(أبو الآر التاني)< كي لا تتختلط الأمور: كلا المتحدثات يلقبان بأبو الآر..لك آخ>وبدك الحلوان كمان !!!!!
واللة  يا صاحبي قصدي إنّو الكل بيعرف إنّو لازم يكون في بيناتنا نوع من الاتحاد والتنسيق والتنظيم  وعدم التشهير وتقريب الأفكار وتجاوز الخلافات و و و و ... بس المشكلة إنّو الكل عم يهرُب من المسؤولية، فيقولو شي ويسوو عكس اللي قالوه؛ واللة أبو الآر إذا ظل حالنا هيك فاعتبر المستقبل متل الماضي، وإذا كنت متفاءل إنّو الأمور رح تتحسن وفيك تعيش متل الناس فأنسى، وإذا كانت أمك تبكي وتستنى أبنها المسجون أو المنفي فقول لها أنسي، وإذا أبوك الختيار مستني قبل ما يموت يتهنى بلحظة عزّ وكرامة ورح تصير لو هوية فقول له كمان أنسى، وإذا كان إلك أخ مكافح يشتغل عامل عادي ليل ونهار بالرغم من إنو محصل شهادة جامعية ومستني ليتحسن الوضع مشان يتزوج ويستقر ففيك تقول له مو بس أنسى... لا ...فيك  تقول له  حل عنّي ياه ه ... لك حللو عني  ما أنا كمان متلكون مستنيييييييي،
هاهو هاواري ، أنا مستني ،أنت مستني، جهاد، جيهان، بهار، فهد، شيركو، جيرانا، ولادنا ..  لك كلياتنا مستنيين نعيش بعز وكرامة، كلياتنا مستنين اللحظة اللي تكون فيها إلنا كلمة وحدة وموقف واحد،
(يلتقط أنفاسه ليكمل الحديث ولكن بنبرة أعلى هذه المرة)
لك..لك حتى الأرض اللي نحن واقفين عليها مستنية .... .
-طيب بلا ما تزعل، روّق شوي وخلينا باليوم، شو رأيك بمظاهرة اليوم؟؟
-قصدك مظاهرات اليوم!!
- أي أي
- بدك ياني أبكي ولا أضحك؟؟ حرام واللة حرام يعني صعبة نتظاهر كلنا سوى بمكان واحد؟ ونهتف بصوت واحد؟ لك على القليلة مشان إذا هجمت الضباع ما تستفرد فينا.
شي غريب، عن جد شي غريب؛ أكتر من خمسين سنة ونحن نناضل ضد هالظلم  بس يبدو لي إنو بهالخمسين سنة  صار بيناتنا شي خمسين حاجز وحاجز، وبعدنا عن بعض أكتر وأكثر ، ليش أبو الآر؟؟
 ما همنا واحد ،وعدونا واحد وبيعاملنا نفس المعاملة، وكلنا بنقاوموا أشخاص كنا ولا جماعات؟؟... واللة  أبو الآر كل هالتضحيات اللي قدمناه ما رح تشفعلنا، والتاريخ ظالم يا صاحبي إذا راح ما بينعاد.. أو يبقى خبرني بكرة شو رح يقولوا ولادنا عنا: [ناضلتو وناضلتو وبالاخير ما قدرتو توقفوا وقفة رجل واحد! هيك بدكون تربونا ها؟؟ أي حللو عنا يا خربتو  بيتنا وضيعتوا مستقبلكم ومستقبلنا...واذا قاومتو، وانضربتو، وانقتلتو، وانسجنتو  شو الفايدة إذا بأيام الشدة ما قدرتوا توَصلو لنتيجة..].
........................................................................................................................
-المشهد الثاني:
حسّو.. لك حسّو:
-كيفك أبو جاسم
-أهلى أبو علي...
( أبو جاسم ،وأبو علي ! !قولتك في سبب؟؟!!)
-سمعت الأخبار؟.. بلشو القصف بالحارة التانية.
-أي ما مبارحة كمان قصفو ونحن تظاهرنا وهني قتلو ونحن صوّرنا ونشرنا شو اللي تغير؟؟
-لك يلى شوباك مشغول؟؟ أترك كل شي من إيدك وتحرك.
-شو قصتك اليوم؟  ما شايفني عم حضّر كم شغلة لناخدها للحارة التالتة، في شباب طالعة ما تخاف، أنا بدي آخدلون شوية أشيا لأن سمعت بدون أكل ودوى وحليب ومازوت ووووووووو .
 – لك لا .. الشباب برات البلد عم تتحرك والرهان عالشارع فلازم نكون موجودين لأن هدول الطالعين من جماعة تانية، ضروري نكون هنيك مشان نفرض لونا وشعاراتنا !!
-لك حل عني يا لسى بيقول لي جماعة وما جماعة، لك مافي فرق والله العظيم مافي فرق، ما كلنا عم نتظاهر سوى و نصرخ كل يوم سوى..وعم نموووووت سوى ،أنا، أنتي، حمزة؛ ليث، خديجة ..... لك حسّو بقى أنتو اللي ما بتجتمعو مشان فلان وفلان ولأن  في فلان و في فلان، حسّو، مشان دموع كل أم تبكي ولادها حسّو، مشان خاطر كل طفل عم يستشهد حسّو،حسّو ،حسّووووو .....وهاي مو غنية تزبطولي ياها وترقصو عليها وأنتو راكضين من مكان لمكان.
........................................................................................................................
-المشهد الثالث:
زائر:
زائرٌ جديدٌ ذو حُلةٍ حمراء يحلّ ضيفاً ثقيلاً غير مرغوبٍ فيه، يفرد جناحيه الكبيرتين ليسرق بسمات الأطفال فتتساقط الأجساد الطاهرة كزخات المطر.
........................................................................................................................
-المشهد الرابع:
هايات وشلون!
-شلونك مستر هنري؟
-هاي قحطان .
-بيقولو في طيران ومدفعية ثقيلة وقتلى بالمئات و و و و و و
-أي ..ووين الجديد؟ ما مبارح كان نفس الشي!!.
-شو أي؟؟ (يحك راسو شوي ويعمل متل اللي بيفكر) لك العمى ما حسبت حساب متل هالجواب، شو بدي قول هلأ ؟؟ أيه  جبتا..:  يا مستر هنري بيه: الشغلة وصلت للحيتنا شو بدنا نساوي هلأ؟؟
-ليس مستعجل لسى الشغلة بدها وقت ... يعني بالمشرمحي لسى ما استَوت وفي ناس مو رضيانه، وبعدين انا ما لي لحية ههههههههه .
-هيك قولتك؟.
-أي
-اللهم إني برأت ذمتي فاشهد -يقولها قحطانُ الخليج و المحيط مخاطباً نفسه: ما ألتلّك يا ملك الغاب أنو الليلة ليلتك سودى وإن كان مشروبك فودكا !!.
........................................................................................................................

-المشهد الخامس:
قلوب ع نار:
<يتابعون كل شاردةٍ وواردةٍ على القنوات الفضائية علّهم يسمعون خبراً يُبَرِّدُ لهيب النار المتقدة في صدورهم>
.....
+المنيرة: ما في شي قصف وقتلى وشبيحة وشجب واستنكار.
+الغجرية: بتقول في شبيحة من نوع جديد (حمرى وصفرى وخضرى وبيضى..ملونة)!!..
-من وين جابوها هاي ؟ قال ملونة قال!!؟؟
-وبالإضافة للقصف والتدمير والإدانات وتهديد بقطع العلاقات... أها أوكي.
+الدنيئة: خير وعز واحتفالات...
-لك لاااا ...وبعدين  ليش لهلأ ما حذفتوها؟؟؟
 -حذفناها بس الصغار رجعوها كمان لأن بيقولو صايرة تحكي قصص تموّت من الضحك .
+المنيرة مباشر: كمان مافي شي هو نفسو اللي بيتكرر كل يوم ..
-لك لا. بدنا آخر الأخبار.. ماقالو اجتمعووووو..
- لك حلّ عني يا، شو بدك ياني أزبطلك خبر ع كيفك!، ماشايفني عم دَوّررر بس واللة مافي شي .
-كان قلبي حاسسني إنو ما رح يكون في شي..طبعاً كل واحد بيحسب حساباتو لك مين هامّو مين؟؟.
((يدخل روني وحمزة عليهما ويقولان: حاجتكوووون، لك حاجتكون، لسى بتقولو: ها شو صار، وواللة ما صار شي  و صار وما صار، لك ونحن صغار فهمناها وانتو لسى !!.....ها هي الحياة ياروني، هاي هي الحياة يا حمزة...وهاد هو الفيتو (أكبر كذبة بتاريخ البشرية)، وهاي هي المصالح، واليوم كل شي بميزانو، ودمنا بكفة وبالكفة التانية بعدهم بيقيسو ويقولو كل شي بمكيالو... .
بس لا عيني لا [يكمل حمزة وروني كلامهما] لك لا وكمان لا، لا عيني لا....هاد هو الشعب وهاي هي الحرية وهاد هو وطني وإنا لمنتصرون.. ))
وما أن ينهي الطفلان -الصغيران بعمرهما والكبيران بإحساسهما- كلامهما حتى تبرق السماء، ويشعر ملك الغاب إن أيامه باتت معدودات وإن البركان الخامد قد ثار فيعوز لجلاوزته أن إضربوا بكل ما أوتيتم من قوة وأحرقوا الأخضر واليابس، علّه يُسكِتُ صوت الحق ويُغَيّب صورة الحقيقة، ليعلن بذلك عن نفسه ومن وراء ابتساماته المجنونة : كأسوأ دكتاتور عرفه التاريخ .
........................................................................................................................
-المشهد السادس:
الأمل:
ابداً ما فقدوه بل صنعوه فوهبوه.
منهم استمد الأمل إلهاماً شيّدَ به صرحاً عالياً ثم إليه حج كل بائسٍ ويائس.
.....................................................................................
الخاتمة:
وفي الخاتمة لابد لنا من ذكر صناديد ومشاعل البطولة والفداء..معتقلي وأسرى ثورة الحرية والكرامة.
ولهم  نقول: إننا على العهد لباقون وفي درب الحرية لماضون، لن ننساكم وإن طال غيابكم،،،الحرية للبطل آراس كمال ولكل معتقلي الحرية>.
...................................................
ملاحظة :مازالت أجسادُ أبناءِ هذا الشعبِ العظيمِ تحترقُ ودماؤهم تسيل، صغاراً كانوا أم كبارا، رجالاً أم نساءا، دفاعاً عن كرامتهم وعزّتهم، ليبنو مستقبلا ً-وإن كان ثمنه باهظاً- للبشرية جمعاء وهم فخورون بما يقدمون،ل أنهم يؤمنون بأن الحياة  -كما يرددون- هي وقفة عزّ وكبرياء.
............................
(قاماتنا تنحني إجلالاً واحتراماً لكل من ضحى بالثمين والغالي في حياته من أجل حرية الآخرين).
............
ورغم أن لا نهاية لبطولات هذا الشعب وما من كلمات تنصفه سنقول النهاية لهذه المشاهد وأقله الآن.
 جاويدان كمال   9\2\2012
Jawidankh@gmail.com











أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر