د.آلان قادر : رحلة الى بلاد الفراعنة


د.آلان قادر : 
 
مقدمة
في غالب الأحيان،عندما اقرر قضاء اجازتي في بلاد ما،افكر قبل كل شيء بمسألة ربطها بقضايا ثقافية أو تاريخية وعلى هذا النحو تكون الفائدة مزدوجة.عندما وقع الاختيار على مصر هذه
 المرة،حلق بي الخيال والذكريات الى  منتصف الألف الثاني قبل الميلاد اي الى حقبة المملكة الميتانية،اجداد الكورد الذين اسسوا امبراطورية مترامية الأطراف،امتدت من  شمال سوريا،حيث يسكن الكورد اليوم  وحتى  كركوك مع جبل سنجار والزاب الأسفل.وجدير بالذكر ان مملكة اوغاريت ولسنوات طويلة ارتبطت بمملكة الميتانيين بمعاهدات واتفاقيات ثنائية وهي ما نطلق عليها بمعاهدات الدفاع المشترك ضد  خطر الفراعنة القادم من الجنوب.ويسجل التاريخ لأجدادنا الميتانيين تصديهم البطولي والمستمر للفراعنة وعدم السماح لهم بالتوسع شمالا،فالمعارك الشهيرة  مثل قرقميش، قاديش ومجيدو دارت رحاها في جنوب سوريا،وهي التي  اوقفت  زحف الفراعنة،حيث ادت الى اختلال موازين القوى لصالح اجدادنا الميتانيين وحلفاءهم في المنطقة.
لن اكون مبالغا اذا قلت ان الكورد تربطهم بمصر وشائج وروابط تاريخية وسياسية تعود الى الألف الثاني ق.م، ربما تكون العلاقة اقدم بكثير ولكنني استند في ذلك الى تلك  الرسائل الشهيرة المكتشفة في
تل العمارنة  التي توضح بعض جوانب  العلاقة بين اجدادنا الميتانيين والفراعنة المصريين.
بعض المعلومات عن السيرة الذاتية للملك الميتاني  إدريميس  وهو اقدم المعاصرين للفرعون تحوتميس الأول  التي تعود الى الفترة مابين 1504-1492 ق.م. وهي تؤرخ للنزاع  والمواجهات الأولى بين الميتانيين والفراعنة التي امتدت لسنوات طويلة وحتى فترة حكم تحوتمس الثالث وامينوفيس وغيرهم.
بعد المواجهات الدامية والمعارك الطاحنة بين اجدادنا الميتانيين  والفراعنة،حلت فترة  من السلم والمصالحة،شهدت تبادل العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين وحسب استنتاجاتي الشخصية يمكن ان نسميها بعد العداوة حلاوة،لأن موازين القوى العسكرية بين الطرفين اجبرتهما على التصالح،بدلا من العداوة . فنجل امينوفيس وحفيده وحفيد حفيده بدأوا بالزواج من الأميرات الميتانيات،حيث تؤكد بعض الدراسات التاريخية ان نفرتيتي بالذات هي اميرة ميتانية. يقول الملك الميتاني توشراتا في رسالته الشهيرة الى امينوفيس الثالث مايلي:" نحن متفقون،ان بلاد  الهورييين وبلاد المصريين هما بلد واحد، انني مثل سيد البلاد المصرية واخي هو مثل سيد بلاد الهوريين".وفق معلومات بعض المؤرخين  اول  وثيقة ديبلوماسية في التاريخ تعود الى تلك الحقبة التي ارست أسس علاقات ديبلوماسية بين الميتانيين والفراعنة.دون الدخول في التفاصيل التاريخية لتلك المرحلة التي شهدت دورا قويا ونشيطا للميتانيين في رسم معالم الشرق الأوسط،سوف اذكر محطة اخرى من العلاقات الكوردية- المصرية ذات طابع آخر ومستوى مختلف،ألا وهي فترة الغزو الفارسي لمصر بقيادة  نجل كورش الأكبر قمبيز( كورش أو باللغة الميدية- الكوردية:Guhresh وتعني صاحب الأذن السوداء،وهو ابن ماندانا  وحفيد آخر ملوك الميديين أزتياك وفق ما ذكره ابو التاريخ هيرودوت الأغريقي).فبعد استيلاء الفرس على مقاليد السلطة  ومفاصلها في الأمبراطورية الميدية،بواسطة الخداع والحيلة وليس القوة العسكرية  والتفوق،قرر قادتهم وبالتعاون مع بعض جنرالات الجيش الميدي،الذين قدموا وطنهم على طبق من ذهب للغزاة الفرس، مثل: هارباك،داتيس،مازاريس وغيرهم،وهم من السلالات الميدية العريقة، التوسع شمالا نحو بلاد اليونان وغربا  نحو البحر المتوسط وتحديدا مصر .قاد الحملة العسكرية وكما ذكرت اعلاه قمبيز  في القرن الخامس ق.م، الذي قرر التخلص في البداية  من شقيقه الأصغر بارديا بصفته منافس قوي له على العرش، ولكنه اخفى ذلك عن عامة الشعب. وغني عن البيان ان ثلثي الجيش الفارسي مع العتاد كان ميدي  صرف،حيث لم يتجرأ الفرس على تغيير اسم ميديا الا بعد سنوات طويلة،وبعد  ازاحة العناصر الميدية واستبدالها بالفرس بهدوء ولكن بمكر ودهاء لاحدود له.حينئذ وطد  الفرس سلطتهم نهائيا  وعلى حساب اجدادنا الميديين وكشفوا القناع عن عدوانيتهم وشوفينيتهم التي تكررت مرة أخرى في تاريخنا الدامي،ولكن هذه المرة مع كمال اتاتورك الطوراني والأب الروحي للسفاح اردوغان في العشرينات من القرن الماضي.ففي خضم الأحداث والثورات العاصفة  للشعوب التي ابتلت بالاحتلال الفارسي ،انتفض الميديون ايضا  بعد ان استفاقوا من غفوتهم على غدر القريب!؟ من نوع  "  عقرب الكوبرا"وبقيادة الكاهن الزردشتي الفذ جوماتا.استعاد الميديون السلطة من الفرس ولمدة  تزيد على السبعة اشهر في غياب قمبيز الذي كان قد نصب نفسه في هذا الاثناء  فرعونا  في مصر معلنا احترامه وولاءه للعقائد الدينية والتقاليد المصرية ليس حبا بهم،بل ضمانا لولاءهم من اجل المصلحة القومية الفارسية  والتوسع الحيوي على حساب الآخرين.سمع  قمبيز بالانقلاب الميدي واحس بالخطر الداهم، حيث ادرك انها محاولة ميدية خطيرة للغاية لإستعادة السلطة من الفرس،لذا قرر قمبيز وعلى وجه السرعة  ترك مصر والعودة الى البلاد  لإخماد الانتفاضة الميدية.ولكن  انصار  شريحة النبلاء الجدد وبقيادة دارا الأول  التي اغتنت على حساب نهب وسلب الشعوب المغلوبة على امرها،كانت له بالمرصاد واغتالته عندما وصل الى الأراضي السورية ولكن الرواية الرسمية الفارسية تدعي  كذبا ونفاقا انه وقع من ظهر حصانه واصيب بجروح بليغة  توفي على اثرها. قرر دارا الأول مع ستة آخرين من قادة الجيش(المتآمرون السبعة) بعد قتل  آخر حاكم من سلالة كورش الأخميني، الانتقام من الميديين والاستيلاء  على السلطة من جديد  وتسليمها للفرس وهذا ماجرى حقا.حيث الصقت تهمة قتل بارديا ايضا بالميديين،تبريرا لقتلهم واستباحة دمهم واملاكهم ولغاية توطيد سلطة دارا الأول الذي قرر  التخلص من الميديين تحت شتى الأعذار والمسميات.وغني عن البيان انه لم تقم  قائمة للميديين بعد تلك الحادثة ،بل ان دارا هو الذي قسم ميديا  الى جزأين وضم مساحات كبيرة من اراضيها الى آذربيجان.
المحطة الثالثة والمهمة للعلاقات المصرية- الكوردية هي فترة  الحكم الأيوبي في عهد صلاح الدين والقضاء على الخلافة الفاطمية في مصر بأسم الاسلام،حيث غدر الحكام المسلمون بالكورد  تحت العباءة الاسلامية مرارا وتكرارا  في كل مرة عندما كانوا  يستلمون  مقاليد السلطة.
هذه كانت رحلة  تاريخية قصيرة  ومرور عابر في بعض محطات التاريخ الغابر التي تتعلق بماضي الكورد، ولكنني  اسعى من وراءها وازاء ما يحدث في سوريا من ثورة اجتماعية-سياسية ضد نظام الطاغية بشار الأسد وما تحاك وراء الكواليس من مؤامرات وألاعيب بهدف الالتفاف على حقوق شعبنا واستحقاقاته التاريخية وتحت شتى المسميات،مايلي:
1-    كل حرف من تاريخنا ودون مبالغة مكتوب ليس بالمداد،بل بالدماء الحمراء،لذا علينا استخلاص العبر والدروس المطلوبة منه لفهم الحاضر وما يدور حولنا من مستجدات ،سعيا لوضع خطط  المستقبل.
2-     البرهان على مدى استهتار الغالبية العظمى من المؤرخين العرب بالحقائق التاريخية،فيما يخص  الدور والتواجد الكوردي في الشرق الأوسط، وخيانتهم لمبادئ العلمية والموضوعية ولاسيما تحريف وتشويه كل ما يتعلق بأجداد الكورد سواء الميتانيين او الميديين**. تصوير الكورد بصفتهم عنصر مهاجر او طارئ في المنطقة وعلى طريقة المسعودي  الذي زعم زورا :ان الكورد ينحدرون بأصولهم من الجن.
3-    عدم الثقة بالكلمات المعسولة عن الأخوة والديانة والمصير المشترك عن اية جهة صدرت ولاسيما الأخوان المسلمين ونفاقهم اللامحدود.الوحدة الكوردية حول برنامج  الحقوق القومية الكوردية، التي تتمثل في اقامة دولة سوريا الاتحادية مع اقليم كوردي معترف به وبضمانات دولية هي  الحل الوحيد والسليم  لحل قضيتنا القومية.
4-    اية صفقة مع النظام الفاشي  من وراء الكواليس ومن قبل اي طرف كان ،تحت ستار تأمين حقوق الكورد او بحجة ان المعارضة ليست افضل من النظام الاستبدادي،يعني الانتحار وهو الموت المؤكد بعينه ومقامرة بمصير 4 ملايين كوردي.
5-    أين موقف شركاءنا في الوطن من مجزرة شيرناخ؟؟ لانريد تذكيرهم  بصلاح الدين الأيوبي  أوبقرار القائد التاريخي للشعب الكوردي ملا مصطفى البارزاني من وقف العمليات العسكرية ضد الجيش العراقي في السبعينات من القرن الماضي،او ابطال وصناديد قلعة شقيف.بل  نعيد على مسامعهم قرار المجلس الوطني السوري قبل اشهر،عندما وصف عمليات الدفاع  الذاتي للقوات الكوردية بالإرهاب؟؟ اليس قتل المدنيين الأبرياء الكورد تستحق الشجب والاستنكار أم ان الكيل بمكيالين هو الصفة الأساسية لكم؟

كي لا ننخدع من جديد ونلدغ من ذات الجحر مرة اخرى،من الفائدة العودة الى ماضينا، فليست جبال وكهوف كوردستان سوف تخبرنا بالكثير من الحقائق المخفية عنا فحسب ،بل حتى الحجارة  وأطلال سينما عامودا وحلبجة وسجن الحسكة  سوف تصرخ في وجوهنا:الى متى الثقة العمياء بالآخرين ايها الكورد؟؟

*د.آلان قادر حقوقي ،متخصص في القانون الدولي العام،رئيس الجمعية الكوردية للدفاع عن حقوق الانسان في النمسا. شرم الشيخ 04.01.2012

**لايختلف  المؤرخون ولاسيما علماء الاثنوغرافيا ان الميتانيين كانوا من الأقوام الآرية وكذلك  آلهتهم. فعلى سبيل المثال  يذكر الملك توشراتا في رسائله العديدة الى الفرعون المريض الألهة الميتانية التالية:  إينانا وشاوشكا،فضلا عن إله المناخ تيشوب.طبعا ان إينانا في التاريخ البعثي  جردت من اصولها الميتانية واصبحت بقدرة قادر سورية.








أخبـــــــار الوطـــــن

بيـــانــــات و تــقــــاريـــــر