27|11|2011 Sawtalkurd
لعلّ ما سنتحدث عنه في تقريرنا هذا يكون غير مألوفاً أو غير معتاد عليه؛ وذلك لما تفرضه الظروف المحيطة بمختلف مسبباتها. سنتحدث عن الأطفال ولعلً أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا عندما نتلفظ هذه الكلمة تصوّرات من قبيل الحياة السعيدة، البراءة، اللعب، الضحك. لكننا لا نتناول هذا الجانب في الأطفال الذين سنسلّط عليهم الضوء في تقريرنا هذا، وذلك لأن هؤلاء الأطفال يعلمون الكثير من الأمور إلا ما قد أسلفناه مفقود في قواميس حياتهم.
-مفاهيم معكوسة لحياة بريئة
تملكهم مفهوم الحياة الصعبة والشقية بدلاً من الحياة السعيدة، ونحوها من المفاهيم المعكوسة كالشقاء والتعاسة والفقر والتشرّد والضياع والتسكّع والحرمان ..الخ، فأطفال منطقة الشيخ مقصود بأحيائها الثلاث / الغربي والشرقي وجامع معروف / الواقعة في مدينة حلب السورية، والتي تقطنها غالبية كردية رُسمت لهم مفردات جديدة في حياتهم، فهم الآن أصبحوا يتحملون أوزار الحياة وأعبائها الاقتصادية والاجتماعية. أطفال مضطرون إلى البحث عن العمل في أشهر العطلة الدراسية الصيفية إن كانوا أساساً لم يهجروا المدارس بحثاً عن لقمة العيش وهرباً من مقبرة الفقر. فتجد منهم من توجّه للعمل في الورشات الصناعية التي تتنوّع في نمط الأعمال التي يعملون بها، ومنهم من توجّه إلى امتهان مهنة تفوق قدراته وإمكاناته البدنية والمعنوية، كطفل يعمل في ورشات تصليح السيارات، فيتحول الطفل بذلك إلى أداة من الأدوات التي يتم بواسطتها تصليح السيارات، حيث تجده وقد تحوّلت يداه إلى مفكّات قاسية، ولباسه إلى مشحمة زيتية، ناهيك عن وجهه البريء الذي يمتلأ بالسواد من آثار التشحيم، إضافة إلى أن هذه المهن هي ميدان رحب تتجلى فيه عدة أمراض جسدية ونفسية ومشاكل أخلاقية.
-دفن براءة الطفولة للحصول على لقمة العيش
ففي الوقت الذي رفض فيه الكثير من الأطفال التحدث إلينا، حاولنا معرفة الأسباب التي أدّت بهؤلاء الأطفال للعمل في هذه المهن، حيث أخبرنا الطفل "أحمد يوسف" أنه إن لم يعمل فأن عائلته المؤلفة من سبعة أفراد وأب مقعد "ستموت جوعاً"، ولكونه الفرد الأكبر سناً فعليه أن يتحمّل مسؤولية العائلة برمتها، ولو كان الثمن دفنه لطفولته.
-التسكّع وجمع القارورات الفارغة كخيار أمام الضعف الجسدي
أما القسم الأكبر من هؤلاء الأطفال وكنتيجة لضعف بنيتهم الجسدية يلجؤون إلى دخول عالم التسوِّل والتسكّع في الأماكن والطرقات العامة، هناك من يقدم على جمع العلب المعدنية الفارغة وجمع البلاستيك الغير صالحة للاستخدام، وجمع الخردوات ونحوها من المواد التي يتم بيعها ومن ثم إعادة تكريرها، وقسم آخر من هؤلاء الأطفال يبيعون الألعاب والمنتجات المصنعة محليا أو أجنبيا، والمناديل الورقية على الأرصفة وداخل الأزقة. ومنهم من يعمل كماسح للسيارات منتهياً بماسح للأحذية. وقد بينت لنا الطفلة "شيرين خليل" بعد الخوض معها في الأسباب التي تدفعها للتسول في الشوارع وأمام المساجد والكنائس أفصحت أنها ستتعرض للضرب والعقاب الشديدين في حين عادت إلى المنزل وهي لم تجمع المبلغ الذي طلبه منها والدها، وأخبرتنا أيضاً بأنها أجبرت من قبل والدها على ترك مقاعد المدرسة والتسوّل لتساعده في دفع شبح الموت جوعاً عن أشقاءها، وعندما قمنا باستفسارها عن موقف والدتها من موقف الأب ومعاملته السيئة أخبرتنا أن الأم قد توفيت وهي طفلة لم تتجاوز العامين من عمرها.
-أطفال أكثر حظاً
وأما الفئة التي تعتبر أكثر حظاً ممن أنف ذكرهم فهي التي يصبح فيها الطفل اليدّ المساعدة لربّ الأسرة، ففي هذه الحالة يمتهن الطفل صنعة أبيه سواء كانت مناسبة لسنه أم لا، وكلّ هذا في سبيل تأمين أبسط متطلبات العيش التي يجب أن تكون متوفرة لكلّ إنسان بشكل طبيعي، وإن لم يتوفّر للطفل تأمين متطلباته بإحدى الطرق السابقة التي هي ليست سوى مصيدة لطفولته فإنه في بعض الحالات يصبح ضحية للانحلال الأخلاقي في معظم الحالات، فيلجؤون للسرقة التي تؤدي إلى بوابة الوقوع في الجريمة والانفتاح على ممارستها.
-لا رعاية صحيّة، لا تعليم، فقط أطفال تحتضنهم الشقاء
تحدثنا فيما سبق عن ما تؤول إليه حال معظم أطفال منطقة الشيخ مقصود في أيام العطل، وسنروي الآن جانب آخر من مأساة هؤلاء الأطفال التي تتجلى في نواحي التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، حيث أن منطقة الشيخ مقصود /غربي/ ورغم تعدادها السكاني الكبير لا يتوفر فيها سوى مدرسة ابتدائية واحدة وأخرى إعدادية والاثنتان تقعان في منطقة غير مخدّمة بشكل جيّد، بل على العكس تماماً تقع المدرستين بالقرب من موقع لرمي النفايات وإحراقها، ولعلّ الصورة بدت واضحة في الظروف التي يتلقى فيها الأطفال التعليم والتربية، ومما يجدر الإشارة إليه بأن المدرسة التي أطلقنا عليها تجاوزاً هذه التسمية، قامت الجهات المخصّة بمشروع ترميم وإصلاح ما هو بالأساس تالف، مما يعني أن الطلاب الموجودون في هذه المدرسة تأخروا عن أقرانهم الطلاب في بقية مدارس المحافظة في سير الدروس المقررة للمنهج الحالي. ونود أن نلقي الضوء على الطريق المؤدية إلى هذه المدرسة فهي أولاً غير معبدة وموحلة جداً، وتقع على طريق يشكّل الوجهة الأولى لسيارات الشحن؛ لقربها من منطقة صناعية مما يخلق ضوضاء مرورية الأمر الذي يؤدي إلى تشتت تركيز الأطفال.
ليس في الحدائق، بل بجانب المستنقعات يلعبون
ونفتح الآن صفحة أخرى من أشكاال المعاناة، والتي تشكّل خطراً محدقاً بصحّة أطفال منطقة "شيخ مقصود"، ألا وهي لجوء الأطفال إلى اللعب في الحفر والمستنقعات التي تخلفها آليات الحفر المستخدمة لتخديم المنطقة من خدمات الماء والكهرباء. فعلى سبيل المثال تبدأ هذه الآليات بالحفر لحلّ مشكلة سوء الصرف الصحي نتيجة للإهمال واللامبالاة التي يتم بها التعامل مع شؤون هذه المنطقة فننتهي للوقوع في مشكلة أكبر، حيث أن هذه الحفر والآليات تبقى مكشوفة حتى إشعاراً آخر، فتتكاثر الحشرات الضارة وتقوم بنشر الأوبئة والأمراض من قبيل اللشمانيا أو ما يعرف باسم "حبة حلب " وكذلك الكوليرا، ولكون هؤلاء الأطفال يلجؤون للعب في هذه الحفر فيصبحون عرضة لهذه الجراثيم إن لم ينتهي الأمر كما في الكثير من الحالات بوقوع حوادث مأساوية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يلجأ الأطفال للعب في هذه الأماكن؟ الإجابة وبكل وضوح لعدم توفّر أماكن مخصصة لكي يلعبوا فيها كالحدائق والملاهي، ف "الشيخ مقصود" بمناطقها الثلاث خالية تماماً من الحدائق، والكارثة لم تنتهي هنا فحسب، فهي خالية أيضاً من أماكن الرعاية الصحية كالمستوصف أو العيادات المخصصة لتقديم اللقاحات والإسعافات الأساسية التي يجب توفرها في كل حي وليس في منطقة برمتها.
-"سيّدي" الاستغلال حاضر دائماً
ولعلّ الكثيرين من العاطلين عن العمل وجدوا من حالة عدم توفّر أماكن اللعب فرصة لهم في استغلال الحالة وتحويلها لمورد تجاري، فيقدمون على فتح أماكن للعب الأطفال دون وجود أي نوع من المراقبة على أنواع الترفيه الذي يقدم للطفل في هذه المحلات، وهل هي صالحة لعمر الطفل وتخدم نموه العقلي والجسمي الطبيعي أم لا؟.
-كارثة إنسانية لابدّ من إيجاد الحلول الناجعة لها
ونحن بدورنا نطالب كافة المؤسسات التي تعنى بالإنسان وببيئته إلى الانتباه إلى الكارثة الإنسانية والاجتماعية التي يعاني منها هؤلاء الأطفال، وإلى إيجاد حلول فورية لمعالجة هذه الظواهر وإنهائها.
العلاج الفعلي يكمن في مكافحة الفقر والجوع والمرض وشدّة الحاجة، ونشر الوعي لإدراك خطورة هذه الظواهر من عمالة الأطفال والتسرب المدرسي والتسول والتشرد، حيث يتعرّض هؤلاء الأطفال إلى الكثير من الإهانات التي تؤثّر بشكلٍ قاطع على سلوكياتهم لتصبح العدوانية هي منهج تعاملهم مع الاخرين. ولعل السبب الرئيسي في كون عمالة الأطفال من أخطر الظواهر الاجتماعية هو ذلك الكمّ الهائل من الانتهاكات التي يتعرض لها الطفل العامل، وذلك على كافة المستويات، فإلى جانب الإيذاء الجسدي والنفسي غالبا ما يتعرض أيضا للاعتداء الجنسي. ولهذا يجب مراعاة المبدأ التاسع من مبادئ الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة الذي ينص على: ضرورة أن يتمتع الطفل بالحماية من جميع صور الإهمال والقسوة والاستغلال ويحظر الاتجار به بأيّ صورة كانت، ولا يجوز استخدام الطفل قبل بلوغه السن الأدنى الملائم، ويحظر في جميع الأحوال إجباره على العمل أو تركه يعمل في أية مهنة أو صنعة تؤذي صحته أو تعليمه أو تعرقل نموه الجسمي أو العقلي أو الخلقي.
-بعض الحلول
ونطرح في سبيل القضاء على هذه الظواهر بعض الحلول: وضع برامج التدخل وإشباع احتياجات الأطفال، التدخل المكثف للجمعيات الأهلية والدولية ورجال الأعمال في إصلاح الوضع المادي لهؤلاء الأطفال من خلال التبرعات والإعانات المادية والعينية، والعمل على إيجاد فرص عمل لأحد الأبوين إن تبين أنهم عاطلون عن العمل؛ لأن الفقر يجعل من عمل الطفل سلعة رخيصة الثمن مما يجذب أصحاب العمل لاستخدامهم. حيث يتطلب الأمر تضافر الجهود بين مختلف الهيئات الرسمية والأهلية، إعداد برامج فعالة لإعادة تأهيل هؤلاء المشردين وإدماجهم في مجتمعهم، متابعة تنفيذ هذه القوانين والبرامج.
وفي النهاية تجدر الإشارة إلى أن المبالغ الكفيلة بمعالجة مثل هذه الظواهر تعتبر زهيدة مقارنة بالمبالغ الطائلة التي تصرف على التسلح و الحروب.
ANFخاص 2011ــ حلب / قيرين ولات
ANF NEWS AGENCY