د.آلان قادر .
الدكتور برهان غليون المحترم،تحية وبعد!
الدكتور برهان غليون المحترم،تحية وبعد!
مما لاشك فيه أن القادة المتنورين ،الحكماء،الحريصين على مستقبل بلادهم وشعوبهم ورقيها، يتركون بأفعالهم وقرارتهم،ناهيك بكتاباتهم وتصريحاتهم المتوازنة والحكيمة،في منعطفات ومحطات هامة وفاصلة من التاريخ البشري، بصمات لاتمحى من حيث التأثير على مجمل العملية التاريخية وصيرورتها في هذا البلد أو ذاك.وهم بذلك يدخلون الذاكرة الجماعية لشعوبهم،على هذا النحو تصرف ابراهام لينكولن عندما حرر العبيد، هكذا ناضل مهاتما غاندي ضد الانكليز، على هذا النحو دافع مارتين لوثر كينغ عن حقوق الأمريكيين الأفارقة، هكذا كتب فولتير داعيا الدفاع عن الرأي الآخر.
لعلني لن أكون مبالغا اذا قلت،ان الثورة الشعبية في سوريا ضد نظام الطغيان والاستبداد الأسدي، خير تأكيد على مقولة هيجل حول روح العصر الموضوعية،التي تتجسد في كافة الظواهر الفردية لحقبة تاريخية ما.فهذه الثورة الشبابية والشعبية استنهضت معنويات السوريين جميعا،أعادت لهم روح الأمل والتفاؤل بمستقبل واعد ديمقراطي،تعددي يحترم انسانية الانسان وحقوقه.وهي في المنظور التاريخي بالنسبة لسوريا،لاتقل أهمية عن الهجوم على قلعة الباستيل،التي جسدت نظام الاستبداد ابان الثورة الفرنسية في 14 تموز 1789
لا اخفيكم سرا اذا قلت، ان بداية المجلس الوطني السوري،بالرغم من الآمال الكبيرة المعلقة عليه من قبل شرائح واسعة من السوريين،لم تكن موفقة بالشكل المطلوب و للأسباب التالية:
آ- رسالة الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري الى وزير الخارجية التركي داود أوغلو بتاريخ 22.10.2011 التي وصفت عمليات مقاتلي حزب العمال الكوردساني ضد جيش الاحتلال التركي بالإرهاب،ومتى كان نضال الشعوب من أجل التحرر ارهابا؟فالشعوب وليست الدول فقط،يعدون شخوص اعتبارية في القانون الدولي المعاصر واتفاقيات جنيف لعام 1949 تساوي بين وحدات الأنصار التي تقاتل ضد الاحتلال الأجنبي وفي سبيل حق تقرير المصير وبين الجيوش النظامية من حيث المكانة القانونية،وهذا ينطبق على المقاتلين الكورد في شمال كوردستان دون شك.
ب- في لقاء أجراه التلفزيون الألماني الناطق بالعربية معكم ورداً على سؤال بخصوص تطمينات يطالب بها الكورد تضمن عدم إقصاءهم في سوريا المستقبل، قلتم بأن هوية الدولة السورية عربية كون أغلبية السكان من العرب، اعتبرتم في الوقت نفسه المكونات القومية الأخرى في سوريا جماعات أو تجمعات قومية، حيث شبهتم وجودها بتواجد المسلمين و المهاجرين الأسيويين في فرنسا.
ح- تصريحات صدر الدين البيانوني وأوراق زهير سالم من الأخوان المسلمين عن الشعب الكوردي المنشورة على مواقع الأنترنيت جاءت في السياق ذاته،مما يوحي لنا بوجود توزيع للأدوار.
ان اعتذاركم للشعب الكوردي لاحقا بسبب تلك التصريحات التي خلقت استياءا عميقا لدى الكورد وأصدقاءهم،هو موقف نبيل وايجابي دون شك،يستدعي التقدير وبالتالي مدعو لرأب الصدع بين المجلس والشعب الكوردي. نحن لاننتظر موقفا مشابها من البيانوني،لسبب وجيه:فهو ربما يعتقد واهما امتلاكه للتفويض الإلهي الذي يضفي على تصريحاته الاقصائية هالة من القداسة وصفة المطلق.
بناء على ماقيل أعلاه،اسمحو لي تسجيل الملاحظات الهامة التالية:
1- مسألة التأكيد على عروبة الدولة السورية تتنافى مع مبادئ الشراكة والديمقراطية والليبرالية التي نؤمن بها جميعا،وهي انكار لحقوق وهوية الكورد،فضلا عن الأقليات الأخرى .فلو كانت تسمية الدولة تأتي حقا من أسم اكثرية الشعب القاطن في البلد لأصر الألمان السويسريين تسمية سويسرا أيضا بأسمهم وهم يشكلون أكثر من 65% من السكان وهناك دول كثيرة في العالم لاتحمل اسم أكثرية السكان.
2- نحن شعب أصيل متواجد على أرضه منذ القدم،بينما تاريخ الدولة السورية الحديثة يبدأ بعد عام 1946، وحضارات أجدادنا الميتانيين والميديين والكاردوخ في جميع انحاء الأقليم الكوردي من سوريا دليل حي على ذلك.
3- جرى تقسيم وطن الكورد كوردستان للمرة الثانية وفقا لأتفاقية سايكس-بيكو المشؤومة في العام 1916 وبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وتقسيم تركة الرجل المريض عقدت اتفاقية سيفر في فرنسا لعام 1920 وبمشاركة الوفد الكوردي،حيث نصت في بنودها رقم: 62،63 و64 على اقامة دولة كوردية مستقلة.انتصارات الأتراك على جبهات القتال حال دون تطبيق تلك البنود التي أدت الى ابرام معاهدة لوزان لعالم 1923 وتجاهل حقوق الشعب الكوردي في بناء دولته المستقلة.
4- لم تكن الجزيرة الكوردية ضمن حدود الجغرافيا التي كانت تسمى بسوريا عام 1919. حيث تبين لنا الوثائق التاريخية وبعد الانتداب الفرنسي على سوريا، انه تم التنازل عن كيليكة لتركيا حسب اتفاقية عام 1921, و بموجب هذه الاتفاقية، و اتفاقيتي عام 1926 و عام 1929، تم رسمياً ضم المناطق ذات الأغلبية الكردية إلى الحدود الحالية للدولة السورية. بينما تم التنازل عن لواء اسكندرون لتركيا بموجب أكثر من معاهدة انعقدت بين فرنسا و تركيا خلال عامي 1937 و 1939.
5- ان مشاركة أسماء وعائلات كوردية شهيرة بكل اخلاص سواء في معارك الاستقلال أو بناء سوريا الحديثة،مثل: يوسف العظمة، ابراهيم هنانو،محمد علي العابد، العائلتين الأيوبية والبرازية، دليل لايقبل الدحض على دور الكورد الفعال في رفعة شأن سوريا وتطورها.وفي الوقت نفسه جرى حرمانهم من أبسط الحقوق القومية و الانسانية واقصاءهم كليا. هذا الوضع المأساوي لايليق مطلقا ببلد عريق مثل سوريا يحتضن ترابه جثمان محرر الشرق صلاح الدين الأيوبي.
6- ليس من العدل والمنطق السوي بعد48 سنة من اقصاء الكورد في ظل البعث الدكتاتوري،عن كافة مفاصل الدولة السورية وحصرهم في زاوية النسيان والتهميش المطلق بواسطة مجموعة من القوانين والمراسيم الشوفينية والعنصرية،حرمانهم من تقرير مصيرهم بأنفسهم ولاسيما المشاركة التامة جنبا الى جنب مع كافة المكونات السورية في صياغة الشكل السياسي للدولة السورية المقبلة وعلى قاعدة المساواة والشراكة والتوافق وليس دكتاتورية الأكثرية. وبناء على ذلك،ان اسقاط النظام الاستبدادي مع الاحتفاظ بكامل المؤسسة الأيديولوجية والسياسية وتراث الاستبداد بالمعنى الرمزي والمادي والتقاليد التي تكرس هيمنة عنصر دون آخر وثقافة دون أخرى لن تحل مشاكل المجتمع السوري المستعصية.
7-للشعب الكوردي حق تقرير المصير وفقا لميثاق الأمم المتحدة والمنظومة الدولية لحقوق الانسان، وبناء على ذلك يجب اشراكه في مسألة البت في التسمية السياسية للدولة السورية أيضا.فالاصرار على تسمية الجمهورية العربية السورية ،يعني تلقائيا الغاء الهوية القومية للشعب الكوردي،فضلا عن القوميات الأخرى. فنحن سوريون ولكننا لسنا جزء من الوطن العربي،بل جزء من الشعب الكوردي ووطنه كوردستان.
8- لبناء دولة سوريا الديمقراطية،الحرة والتعددية،سوريا دولة القانون و لكل السوريين، وحسب مبادئ القانون الدولي نقترح الحلول الثلاثة التالية 1-: اعادة التسمية السابقة مابعد الاستقلال،اي الجمهورية السورية،2- استفتاء الكورد في تقرير مصيرهم بأنفسهم وتحت اشراف الأمم المتحدة ومظمة الأمن والتعاون الأوربي،حول شكل ارتباطهم المستقبلي،مع باقي مكونات المجتمع السوري ودورهم في بناء سوريا الجديده.أي تشكيل دولة سوريا الاتحادية مؤلفة من عدة أقاليم،بما فيها اقليم كوردي، سوف يتحول الشكل الاتحادي الى صمام أمان،للحيلولة دون عودة الدكتاتورية الى البلاد 3-استخدام التسمية المركبة للدولة السورية: الجمهورية العربية- الكوردية السورية( جمهورية سوريا العربية- الكوردية) وعلى غرار تشيكوسلوفاكيا سابقا.
9- لازال الثوار على الارض يسبقون المجلس الوطني السوري بخطوات كبيرة ،فهم يطالبون بالحماية الدولية وأنتم ترفضوت ذلك.فقد حول نظام بشار الأسد ومرتزقته سوريا الى حمام دم، وهم يرتكبون جرائم ابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية، والحماية الدولية لاتعني بالضروة وعلى الفور استخدام القوة العسكرية.فحسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يجوز لمجلس الأمن استخدام تدابير مؤقتة مثل:قطع كلي أو جزئي للعلاقات الاقتصادية،الاتصالات الجوية ،بما فيها البريدية،التلغراف والبرق والراديو و والسكك الحديدية والبحرية،وقطع العلاقات الديبلوماسية.
10- من الحكمة وبعد نظر مراعاة علاقات حسن الجوار مع الجارة تركيا الحاضنة والداعمة للمجلس الوطني السوري و لكن ليس على حساب مصالح الشركاء في الوطن،فهذه السياسة قصيرة النظر،سوف تؤدي الى عواقب ونتائج وخيمة على المديين القريب والبعيد وغريبة عن ثقافة السوريين وطموحاتهم. لاتخفي حكومة أردوغان عداءها الشديد للكورد،وهي تحارب طموحاتهم على جانبي الحدود، ونعلم تماما أنها تبذل قصارى جهدها في سبيل اقصاء الكورد من المشاركة في صياغة معالم الدولة السورية المقبلة وتهميشهم، وهذا مؤشر خطير بحد ذاته.واذا تم تطبيق هذه السياسية المعادية للكورد فهم دون شك لن يقفوا مكتوفي الأيدي.
بهدف تهيئة مناخات وأجواء الثقة والتعايش المشترك بين كافة مكونات الوطن السوري وارساء أسس متينة لبناء سوريا قوية، تعددية،ديمقراطية،ذات مؤسسات مدنية ودولة القانون،تحترم كافة مكوناتها دون تمييز أو اقصاء، ورفع الغبن الذي لحق بالكورد،يجب ابرام عقد اجتماعي جديد،و التخلي نهائيا عن تركة البعث وسياساته الإقصائية-التدميرية التي أدت الى تغريب المواطن واذلاله والدوس على حقوقه وكرامته.
وفي مقدمتها فسخ كافة الاتفاقات الأمنية- اللاوطنية حول التعاون الاستراتيجي مع تركيا،لاسيما ملحقاتها وبنودها السرية التي تنص على محاربة الشعب الكوردي وفي مقدمتها اتفاقية أضنة لعام 1998. لا يمكن لطائفه او قوميه لوحدها ان تحكم سوريا بعد الان,ولا بد من التشاركيه والتوافق في اتخاذ القرارات المصيريه واداره شؤون البلاد.فقط الناس الأحرار وذوي الإرادة الحرة قادرون على بناء دولة عصرية،تحترم انسانية الانسان ،لهذا نريد دولة حرة، ديمقراطية،علمانية،اي فصلها عن الدين تماما، تحترم وتضمن حرية المرأة فعليا،دولة مزدهرة اقتصاديا،يكون الشعب مصدر السيادة وليس جمهورية للخوف والرعب تستبيح دم السوريين وتفتك بهم أو باحة خلفية لتركيا.
د.آلان قادر حقوقي،متخصص في القانون الدولي العام ورئيس الجمعية الكوردية للدفاع عن حقوق الانسان في النمسا
النمسا في 07.11.2011